قال أبو عمرو: أقام رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بالمدينة باقي ربيع الأول، الشهر الذي قدم فيه، و باقي العام كله إلى صفر، من سنة اثنتين من الهجرة، ثم خرج غازيا في صفر، و حمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، و كان لواء أبيض، و استعمل على المدينة فيما قال أبو سعد و أبو عمر:
سعد بن عبادة، و خرج بالمهاجرين ليس منهم أنصاريّ يعترض عيرا لقريش فلم يلق كيدا، و وادع بني ضمرة بن عبد مناة بن كنانة و عقد ذلك معه سيدهم.
قال ابن إسحاق و ابن سعد و أبو عمرو: جمع محشي بن عمرو الضّمري، و قال ابن الكلبيّ: عمارة بن محشيّ بن خويلد بن عبد فهم بن يعمر بن عوف بن جديّ بن ضمرة، كذا ذكر الأمير أبو نصر في جديّ- بضمّ الجيم و فتح الدال- و كذ قال ابن حزم في الجمهرة إنه عمارة بن محشيّ، فاللّه أعلم- و وادعهم على ألا يغزوا بني ضمرة و لا يغزوه، و لا يكثروا عليه جمعا و لا يعينوا عليه عدوّا، و كتب بينه و بينهم كتابا نسخته:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد رسول اللّه لبني ضمرة بأنهم آمنون على أموالهم و أنفسهم، و أن لهم النّصرة على من رامهم إلّا أن يحاربوا في دين اللّه ما بلّ بحر صوفة. و أن النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) إذا دعاهم لنصره أجابوه، عليهم بذلك ذمة اللّه و ذمة رسوله، و لهم النصر على من برّ منهم و اتّقى».
ثم انصرف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) إلى المدينة، و كانت غيبته خمس عشرة ليلة و هي أول غزاة غزاها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بنفسه الكريمة.
تنبيه في بيان غريب ما سبق:
الأبواء- بفتح الهمزة و سكون الموحدة و المدّ- قرية بين مكّة و المدينة، قيل سميت بذلك لما فيها من الوباء و لو كان كما ذكر لكانت الأوباء، أو يكون مقلوبا منه، و الصحيح أنها سمّيت بذلك لتبوئ السيول بها، قاله ثابت بن قاسم.
ودّان- بفتح الواو و تشديد الدال المهملة في آخره نون- و هي قرية جامعة من عمل الفرع.
وادعته: صالحته.
مخشيّ- بفتح الميم و إسكان الحاء و كسر الشين المعجمتين ثم ياء مشددة كياء النسّب- لم أر من ذكر له إسلاما.
لم يلق كيدا: أي حربا.
ما بلّ بحر صوفة، أي ما دام في البحر ما يبلّ الصّوفة.