أخذنا بآفاق السّماء عليكم* * * لنا قمراها و النّجوم الطّوالع
الثاني عشر: في الكلام على قوله تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى: [النجم: 8].
الإمام الرازي: «فيه وجوه: الأول: و هو أشهرها أن جبريل دنا من النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)، أي بعد ما مدّ جناحه و هو بالأفق الأعلى عاد إلى الصورة التي كان يعتاد النزول عليها، و قرب من النبي (صلّى اللّه عليه و سلم).
القرطبي: أي دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى «فتدلّى» على النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)، المعنى أنه لما رأى النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) من عظمة جبريل ما رأى و هاله ذلك، ردّه اللّه تعالى إلى صورة آدمي حين قرب من النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) بالوحي. هذا قول الجمهور، انتهى. و عليه ففي تدلّى ثلاثة أقوال: الأول أن الدنوّ و التدلي بمعنى واحد كأنه قال: دنا فقرب.
اللباب: «ذهب الفرّاء إلى أن الفاء في «فتدلّى» بمعنى الواو، و التقدير: ثم تدلى (عليه الصلاة و السلام) و دنا. و لكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدا قدّمت أيهما شئت، تقول دنا فقرب، و قرب فدنا، و شتمني فأساء و أساء فشتمني لأن الشتم و الإساءة شيء واحد، و كذلك قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1]، أي انشقّ القمر و اقتربت الساعة.
القول الثاني: في الكلام تقديم و تأخير، و تقديره: ثم تدلّى من الأفق فدنا من النبي (صلّى اللّه عليه و سلم).
القول الثالث: أن دنا بمعنى قصد القرب من النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) و تحرك عن المكان الذي فيه فتدلّى فنزل إلى النبي (صلّى اللّه عليه و سلم).
الوجه الثاني: أن المراد دنا من ربه تبارك و تعالى، و المراد بالدنوّ هنا المنزلة كما في
قوله (صلّى اللّه عليه و سلم) حاكيا عن ربه عز و جل: «من تقرّب مني شبرا تقرّبت منه ذراعا و من أتاني يمشي أتيته هرولة»
[1] و هذا إشارة إلى المعنى، و لهذا مزيد بيان في شرح القصة.
الوجه الثالث: دنا جبريل من ربه، قاله مجاهد.
الوجه الرابع: أنه النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)، دنا من ربه، و يحمل هو و الذي قبله كما قال الإمام الرازي على القرب من المنزلة. و الذي عليه الجمّ الغفير هو دنوّ جبريل من النبي (صلّى اللّه عليه و سلم).
الثالث عشر: في الكلام على قوله تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. [النجم: 9].
الباب: «ها هنا مضافان محذوفان نضطر لتقديرهما، أي فكان مقدار مسافة قربه منه مقدار مسافة قاب».
[1] جزء من حديث أخرجه مسلم من رواية أبي ذر رضي اللّه عنه 4/ 2068 (22- 2687).