الباب الثالث في بنائه (صلّى اللّه عليه و سلم) حجر نسائه رضي اللّه عنهن
قال في الروض: «كانت بيوته (صلّى اللّه عليه و سلم) تسعة: بعضها من جريد مطيّن بالطين و سقفها من جريد، و بعضها من حجارة مرضومة بعضها فوق بعض، و سقفها من جريد أيضا». قال الحافظ الذهبي في «بلبل الروض»: «لم يبلغنا أنه (صلّى اللّه عليه و سلم) بني له تسعة أبيات حتى بنى المسجد و لا أحسبه فعل ذلك، إنما كان يريد بيتا واحدا لسودة أم المؤمنين رضي اللّه عنها. و لم يحتج إلى بيت آخر حتى بنى لعائشة رضي اللّه عنها في شوّال سنة اثنتين، و كان (صلّى اللّه عليه و سلم) بناها في أوقات مختلفة». انتهى.
و تقدم في الباب الثاني أنه (صلّى اللّه عليه و سلم) بنى لزوجيه: سودة و عائشة رضي اللّه عنهما، على نعت بناء المسجد، لأن عائشة كانت زوجه حينئذ، و إن تأخّر الدخول بها، ثم بنى بقيّة الحجر عند الحاجة إليها.
قال محمد بن عمر الأسلمي: «كانت لحارثة بن النعمان رضي اللّه عنه منازل قرب المسجد و حوله، و كلما أحدث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أهلا نزل له حارثة عن منزل، أي محلّ حجرة حتى صارت منازله كلها لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و أزواجه». «قال محمد بن عمر: «حدّثنا عبد اللّه بن يزيد الهذليّ قال: رأيت بيوت أزواج النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) حين هدمها عمر بن عبد العزيز بأمر الوليد بن عبد الملك، كانت بيوتا من اللّبن، و لها حجر من جريد مطرورة بالطّين، عددت تسعة أبيات بحجرها، و هي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) إلى منزل أسماء بنت حسن اليوم. قال: و رأيت بيت أم سلمة زوج النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) و حجرتها من اللّبن، فسألت ابن ابنها فقال:
لما غزا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) دومة الجندل بنت أم سلمة حجرتها بلبن. فلما قدم النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) نظر إلى اللّبن و دخل عليها أول نسائه فقال: «ما هذا البناء»؟ فقالت: «أردت يا رسول اللّه أن أكفّ أبصار الناس». فقال: «يا أم سلمة إن شرّ ما ذهب فيه مال المسلم البنيان»
قال محمد بن عمر: فحدّثت بهذا الحديث معاذ بن محمد الأنصاري فقال: «سمعت عطاء الخراساني في مجلس فيه عمران بن أبي أنس يقول و هو فيما بين القبر الشريف و المنبر المنيف: أدركت حجر أزواج النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) [من جريد على أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ، يأمرنا بهدم حجر أزواج النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)]، فما رأيت يوما كان أكثر باكيا من ذلك اليوم. قال عطاء: «فسمعت سعيد بن المسيّب يقول يومئذ: