الباب الرابع في محبته (صلّى اللّه عليه و سلم) لها و دعائه لها و لأهلها و رفع الوباء عنها بدعائه (صلّى اللّه عليه و سلم)
عن أنس رضي اللّه عنه أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدر المدينة، و في لفظ: دوحاتها، و في لفظ: درجاتها طرح رداءه عن منكبيه و قال: «هذه أرواح طيبة»، و أوضع راحلته، و إن كان على دابة حرّكها من حبّه، و في لفظ: «تباشرا بالمدينة» و قال: «اللهم اجعل لنا بها قرارا و رزقا حسنا» [1]. رواه الشيخان و المحاملي و محمد بن الحسن المخزومي.
و روى الإمام أحمد و الشيخان و ابن إسحاق و اللفظ له عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: «لما قدم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) المدينة قدمها و هي أوبا أرض اللّه من الحمّى، و كان واديها يجري نجلا- يعني ماء آجنا- فأصاب أصحابه منها بلاء و سقم، و صرف اللّه ذلك عن نبيه». قالت: «فكان أبو بكر و عامر بن فهيرة و بلال موليا أبي بكر في بيت واحد، فأصابتهم الحمّى، فاستأذنت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في عيادتهم، فأذن، فدخلت إليهم أعودهم، و ذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب، و بهم ما لا يعلمه إلا اللّه من شدة الوعك، فدنوت من أبي بكر فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ فقال:
كلّ امرئ مصبّح في أهله* * * و الموت أدنى من شراك نعله [2]
قالت: فقلت: و اللّه ما يدري أبي ما يقول، ثم دنوت من عامر بن فهيرة فقلت: كيف تجدك يا عامر؟ فقال:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه* * * إنّ الجبان حتفه من فوقه