عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) قال: «مكّة بلد عظّمه اللّه، و عظّم حرمته، خلق مكة و حفّها بالملائكة قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألف عام، و وصلها بالمدينة، و وصل المدينة ببيت المقدس، ثم خلق الأرض كلّها بعد ألف عام خلقا واحدا».
و عن عليّ رضي اللّه عنه: قال: «كانت الأرض ماء فبعث اللّه ريحا فمسحت الأرض مسحا فظهرت على الأرض زبدة فقسمها أربع قطع، خلق من قطعة مكة و الثانية المدينة و الثالثة بيت المقدس و الرابعة الكوفة».
رواهما الحافظ أبو بكر بن أحمد بن محمد الواسطي الخطيب في كتابه فضائل بيت المقدس بسند لا بأس به خلافا لقول السيد إنهما واهيان، فإني لم أجد في سندهما من تكلّم فيه سوى ابن لهيعة و هو صدوق اختلط بأخرة و الترمذي يحسّن له.
و روى الطبراني عن ذي مخبر، و هو بكسر الميم و سكون الخاء المعجمة و فتح الموحدة و قيل بدلها ميم، و هو ابن أخي النجاشي رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) قال: إن اللّه عز و جل اطّلع إلى أهل المدينة و هي بطحاء قبل أن تعمر، ليس فيها مدرة و لا وبرة، فقال:
«يا أهل يثرب إني مشترط عليكم ثلاثا، و سائق إليكم من كل الثّمرات: لا تعصي و لا تعلي و لا تكبري، فإن فعلت شيئا من ذلك تركتك كالجزور لا يمنع من أكله» [1].
و قيل: أوّل من عمر بها الدّور و الآطام، و زرع و غرس، العماليق بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح، و أخذوا ما بين البحرين و عمان و الحجاز إلى الشام و مصر، و منهم الجبابرة و الفراعنة.
و قال أبو المنذر الشّرقي بن القطامي: سمعت حديث تأسيس المدينة من سليمان بن عبد اللّه بن حنظلة الغسيل، و سمعت أيضا بعض ذلك من رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن عمّار بن ياسر، فجمعت حديثهما لكثرة اتفاقه و قلة اختلافه، قالا: «بلغنا أنه لمّا حجّ موسى (صلوات اللّه عليه) حجّ معه أناس من بني إسرائيل، فلما كان في انصرافهم أتوا على
[1] ذكر الهيثمي في المجمع 3/ 302 و عزاه للطبراني في الكبير و قال: و فيه سعيد بن سنان و الشامي و هو ضعيف و ذكره المتقي الهندي في الكنز (34901).