فلما هبطا من الثّنيّة [1]، رأى رجلا تحت شجرة. قال: و هذا قبل خروج الستة من الأنصار، فلما رأيناه قلنا نأتي هذا الرجل لنستودعه راحلتنا حتى نطوف بالبيت، فجئنا فسلّمنا عليه تسليم أهل الجاهلية، فردّ علينا تسليم أهل الإسلام، و قد سمعت بالنبي، فأنكرنا فقلنا: من أنت؟ قال:
«انزلوا» فنزلنا فقلنا: أين هذا الرجل الذي يدّعي ما يدّعي و يقول ما يقول؟ قال: «أنا هو». قلنا:
أعرض علينا الإسلام، فعرض، و قال: من خلق السموات و الأرض و الجبال؟» قلنا: خلقهنّ اللّه عز و جل. قال: «فمن خلقكم؟» قلنا: اللّه عز و جل. قال: «فمن عمل هذه الأصنام التي تعبدون؟» قلنا: نحن. قال: «الخالق أحق بالعبادة أو المخلوق؟» قلنا: قال: «فأنتم أحق أن تعبدوا ربكم و أنتم عملتموهنّ و اللّه أحق أن تعبدوه من شيء عملتموه و أنا أدعوكم إلى عبادة اللّه عز و جل و شهادة ألّا إله إلا اللّه، و أني رسول اللّه، و صلة الرّحم و ترك العدوان و إن غضب الناس». فقالا: لو كان هذا الذي تدعو إليه باطلا لما كان من معالي الأمور و محاسن الأخلاق، فأمسك راحلتنا حتى نأتي البيت. فجلس عنده معاذ بن عفراء.
قال رافع: فجئت البيت فطفت و أخرجت سبعة أقداح و جعلت له بينها قدحا، فاستقبلت البيت و قلت: اللهم إن كان ما يدعو إليه محمد حقا فأخرج قدحه سبع مرات، فضربت بها سبع مرات، فصحت: «أشهد ألا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه». فاجتمع الناس عليّ و قالوا: مجنون رجل صبأ، فقلت: بل رجل مؤمن، ثم جئت إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بأعلى مكة، فلما رآني معاذ بن عفراء قال: لقد جئت بوجه ما ذهبت به يا رافع، لقد جئت و آمنت.
و علّمنا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) سورة يوسف، و سورة العلق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. ثم خرجنا راجعين إلى المدينة.
بيان غريب ما سبق
« [2] الحلف»- بكسر الحاء و سكون اللام: المعاقدة و المعاهدة على التعاضد و الاتفاق.
«أبو الحيسر»: بفتح الحاء المهملة و سكون المثناة التحتية بعدها سين مهملة ثم راء، ذكره ابن مندة في الصّحابة، و ذكره الحافظ في الإصابة في الأسماء و في الكنى في القسم الرابع فيمن ذكر في الصحابة غلطا.
«إياس بن معاذ»: ذكره ابن السّكن و ابن حبّان في الصحابة، و ذكره البخاري في تاريخه الأوسط فيمن مات على عهد النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) من المهاجرين الأولين و الأنصار.
[1] ثنيّة أمّ قردان الثنيّة في الأصل كل عقبة في جبل مسلوكة. و قردان بالكسر جمع قراد، و هي بمكة عند بئر الأسود بن سفيان المخزومي.