أهو هو؟ قال نعم. فأخذاني فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط و أرواح لم أرها من خلق قط، و ثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إليّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مسّا. فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه. فأضجعاني بلا قصر و لا هصر و في لفظ:
فقلباني لحلاوة القفا ثم شقّا بطني. و في لفظ فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره. فخوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم و لا وجع فكان أحدهما يختلف بالماء في طست من ذهب و الآخر يغسل جوفي فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره فإذا صدري فيما أرى مفلوقا لا أجد له وجعا. ثم قال: شق قلبه فشق قلبي فقال: أخرج الغلّ و الحسد منه. فأخرج شبه العلقة فنبذ به. ثم قال: أدخل الرأفة و الرحمة في قلبه. فأدخل شيئا كهيئة الفضّة. ثم أخرج ذرورا كان معه فذرّه عليه ثم نقر إبهامي ثم قال: اغد و اسلم. فرجعت بما لم أغد به من رحمتي للصغير و رأفتي للكبير [1].
تفسير الغريب
الحجج: بكسر الحاء و فتح الجيم الأولى السّنون.
الأرواح: جمع ريح بمعنى الرائحة و هي عرض يدرك بحاسة الشم و هي مؤنثة يقال ريح [2] ذكيُة.
بلا قصر: قصرت الثوب أي أرخيته بلا استرخاء. و لا هصر: قال في النهاية: هصر ظهره أي ثناه إلى الأرض. و أصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه إليك و تعطفه.
حلاوة القفا: يأتي بيانه في بيان غريب المرة الثالثة.
خوى أحدهما إلى صدري: أي مال إليه.
ذرورا: بفتح الذال المعجمة.
المرة الثالثة: عند المبعث.
روى أبو داود الطيالسي و الحارث بن أبي أسامة في مسنديهما، و البيهقي و أبو نعيم كلاهما في الدلائل، عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها أن النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) نذر أن يعتكف شهرا هو و خديجة. فوافق ذلك شهر رمضان فخرج ذات ليلة فسمع: السلام عليك. قال: فظننت أنها فجاءة الجن، فجئت مسرعا حتى دخلت على خديجة فقالت: ما شأنك؟ فأخبرتها فقالت:
أبشر فإنّ السلام خير. ثم خرجت مرة أخرى فإذا أنا بجبريل على الشمس له جناح بالمشرق
[1] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 226، و عزاه لعبد الله و قال و رجاله ثقات و ثقه ابن حبان.