الباب الثالث و الثلاثون في عرض النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) نفسه الكريمة على القبائل ليؤووه و ينصروه و دعائه الناس إلى التوحيد
قال جابر بن عبد الله رضي اللَّه عنهما: كان رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يعرض نفسه بالموقف، فيقول: ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي.
قال محمد بن عمر الأسلمي: مكث رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين، يوافي الموسم كلّ عام يتبع الحاج في منازلهم بعكاظ و مجنة و ذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه و لهم الجنة، فلا يجد أحدا ينصره و لا يجيبه حتى إنه سأل عن القبائل و منازلها قبيلة قبيلة و
يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا و تملكوا العرب و تذل لكم العجم و إذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة. و أبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كاذب، فيردون عليه أقبح الرد و يؤذونه و يقولون: قومك بك أعلم
و قال ابن إسحاق: ثم قدم رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) مكة أي من الطائف و قومه أشد ما كانوا عليه من خلافه و فراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن به، و كان رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يعرض نفسه في المواسم إذا كانت، على قبائل العرب يدعوهم إلى اللَّه عز و جل و يخبرهم أنه نبيّ مرسل و يسألهم أن يصدّقوه و يمنعوه حتى يبيّن عن اللَّه عز و جل ما بعثه به.
و روى ابن إسحاق و البيهقي و الإمام أحمد و ابنه عبد الله و الطبراني برجال ثقات، عن ربيعة بن عباد- بكسر العين المهملة و تخفيف الباء الموحدة- قال: إني لغلام شاب مع أبي بمنى و رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يقف على القبائل من العرب فيقول: يا بني فلان إني رسول اللَّه إليكم يأمركم أن تعبدوا اللَّه و لا تشركوا به شيئا، و أن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، و أن تؤمنوا بي و تصدّقوني و تمنعوني حتى أبيّن عن اللَّه عز و جل ما بعثني به. و الناس متقصّفون عليه ما رأيت أحدا يقول شيئا و هو لا يسكت. قال: و خلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلّة عدنية فإذا فرغ رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) من قوله و ما دعا إليه قال ذلك الرجل: يا بني فلان إن هذا الرجل إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات و العزّى من أعناقكم و حلفاءهم من الجن و بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة و الضلالة، فلا تطيعوه و لا تسمعوا منه. فقلت لأبي: يا
[1] أخرجه الترمذي (2935) و أبو داود (4734) و ابن ماجة (201) و البيهقي في الأسماء و الصفات (187).
[2] أخرجه أحمد في المسند 3/ 492، 4/ 341 و الطبراني في الكبير 5/ 56 و الدارقطني 3/ 45 و البيهقي في الدلائل 5/ 380 و ابن حبان (1682) و العقيلي في الضعفاء 1/ 106.