الباب الثلاثون في بعض ما لاقاه رسول الله (صلّى اللّه عليه و سلم) من قريش بعد موت أبي طالب
قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) من الأذى ما لم تطمع فيه في حياة أبي طالب.
و روى ابن إسحاق عن عبد الله بن جعفر قال: لما مات أبو طالب اعترض رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا فدخل رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بيته و التراب على رأسه فقامت إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب و هي تبكي، و رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يقول: لا تبكي فإن اللَّه مانع أباك. و يقول بين ذلك: ما نالت قريش منّي شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب
و روى الطبراني و أبو نعيم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: لما مات أبو طالب تجهّموا رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فقال: يا عمّ ما أسرع ما وجدت فقدك
و روى البيهقي عن عروة أن رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) قال: ما زالت قريش كاعّين حتى مات أبو طالب [3].
و رواه الطبراني و البيهقي من طريق آخر عن عائشة مرفوعا.
و روى ابن سعد عن حكيم بن حزام و ثعلبة بن صعير [4] قالا: لما توفي أبو طالب و خديجة اجتمع على رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) مصيبتان، فلزم بيته و أقلّ الخروج، و نالت قريش منه ما لم تكن تنال و لا تطمع فيه، فبلغ ذلك أبا لهب فجاء فقال: يا محمد امض لما أردت و ما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيّا فاصنعه لا و اللات و العزّى لا يوصل إليك حتى أموت.
و سبّ ابن الغيطلة النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) فأقبل عليه أبو لهب فنال منه فولّى و هو يصيح يا معشر قريش صبأ أبو عتبة: فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب فقال: ما فارقت دين عبد المطلب و لكن أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد. قالوا: قد أحسنت و أجملت و وصلت الرحم.
فمكث رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) على ذلك أياما يذهب و يأتي لا يعترض له أحد من قريش
[3] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 622 و البيهقي في الدلائل 2/ 349 و ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 15.
[4] ثعلبة بن صعير بمهملات أو ابن أبي صعير مصغّرا العذري بذال معجمة. عن النبي (صلّى اللّه عليه و سلم). و عنه ابنه. مختلف في صحبته. و قال عباس بن محمد عن ابن معين: له رواية و الحديث مضطرب. [الخلاصة 1/ 152].