الباب الثاني و العشرون في إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه
روى ابن سعد عن أبي عون الدّوسي، و البيهقيّ عن ابن إسحاق، و ابن جرير و أبو الفرج الأموي عن العباس بن هشام، عن أبيه أن الطفيل بن عمرو حدّث أنه قدم مكة و رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بها، فمشى إليه رجال من قريش، و كان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا فقالوا له: يا طفيل إنك قدمت بلادنا و هذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا و فرّق جماعتنا و شتّت أمرنا، و إنما قوله كالسّحر يفرّق بين المرء و أبيه و بين الرجل و أخيه و بين الرجل و زوجته، و إنا نخشى عليك و على قومك ما دخل علينا فلا تكلّمه و لا تسمع منه.
قال: فو اللَّه ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا و لا أكلّمه و حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله.
فغدوت إلى المسجد فإذا رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) قائم يصلّي عند الكعبة فقمت قريبا منه، فأبى اللَّه تعالى إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي: إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلت و إن كان قبيحا تركت؟
فمكثت حتى انصرف رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فتبعته فقلت: إنّ قومك قد قالوا لي كذا و كذا، و إني شاعر فاسمع ما أقول.
فقال النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) هات. فأنشدته. فقال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم): و أنا أقول فاسمع. ثم قرأ:
أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌإلى آخرها و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِإلى آخرها و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِإلى آخرها و عرض عليّ الإسلام فلا و اللَّه ما سمعت قولا قطّ أحسن منه و لا أمرا أعدل منه فأسلمت و قلت: يا نبيّ اللَّه إني امرء مطاع في قومي، و إني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام فادع اللَّه أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم. فقال: اللهم اجعل له آية.
فخرجت إلى قومي في ليلة مطيرة ظلماء حتى إذا كنت بثنيّة تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح. فقلت: اللهم في غير وجهي إني أخشي أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي فتحوّل فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلّق، و أنا أهبط عليهم من الثنيّة حتى جئتهم فلما نزلت أتاني أبي فقلت: إليك عني يا أبت فلست مني و لست منك. فقال: لم يا بني؟ فقلت: قد أسلمت و تابعت دين محمد. أي بنيّ فديني دينك. فقلت: اذهب فاغتسل و طهّر ثيابك ففعل ثم جاء، فعرضت عليه الإسلام فأسلم. ثم أتتني صاحبتي فقلت: