ببرزخ في الحياة يلقي إليه فيه وحيه المشتمل على كثير من الأسرار، و قد يقع لكثير من الصلحاء عند الغيبة بالنوم أو غيره اطلاع على كثير من الأسرار، و ذلك مستمدّ من المقام النبوي، و يشهد له
قول النبي (صلّى اللّه عليه و سلم): «رؤيا المؤمن جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوّة»
و ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: لما نزلت آية الحجاب و أن سودة خرجت بعد ذلك إلى المناصع ليلا فقال عمر: قد عرفناك يا سودة، فرجعت إلى رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فسألته و هو جالس يتعشّى و العرق في يده، فأوحى اللَّه تعالى إليه و العرق في يده ثم رفع رأسه فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن.
قال ابن كثير: فدل هذا على أنه لم يكن عند الوحي يغيب عنه إحساسه بالكلية بدليل أنه جالس لم يسقط و لم يسقط العرق من يده. انتهى.
[تفسير الغريب]
المناصع- بفتح الميم و كسر الصاد المهملة: صعيد أفيح خارج المدينة.
العرق [2]- بعين مهملة مفتوحة فراء ساكنة فقاف: العظم الذي عليه اللحم و القطعة من اللحم. و سيأتي الكلام عليه في أبواب مناماته (صلّى اللّه عليه و سلم).
الثالث: قال ابن كثير: تحريكه (صلّى اللّه عليه و سلم) لسانه عند إلقاء الوحي إليه كان في الابتداء كان (صلّى اللّه عليه و سلم) من شدة حرصه على أخذه من الملك ما يوحيه إليه عن اللَّه تعالى يساويه في التلاوة، فأمره اللَّه تعالى أن أنصت لذلك حتى يفرغ من الوحي، و لهذا قال: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً[2] [طه 114].
و قال الحافظ: اختلف في سبب تحريكه (صلّى اللّه عليه و سلم) لسانه و شفتيه. ففي رواية: يخشى أن يتفلّت منه. و في لفظ: خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره فيشتد عليه، و في رواية أنه كان إذا نزل عليه جعل يتكلم من حبّه إياه.
قال الحافظ: و ظاهر الرواية الثانية أن السبب في المبادرة حصول المشقة التي يجدها عند النزول، فكان يتعجل ما يأخذه لتزول المشقة سريعا. و ظاهر الثالثة أنه كان يتكلم بما يلقي اللَّه منه أولا فأولا، من شدة حبه إياه فأمر أن يتأنّى إلى أن ينقضي النزول.