قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام. من يهود يقال له ابن الهيّبان فأقام عندنا، و اللَّه ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس خيرا منه، فقدم علينا قبل مبعث النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) بسنين، فكنا إذا قحطنا و قلّ علينا المطر نقول: يا ابن الهيّبان اخرج فاستق لنا. فيقول: لا و اللَّه حتى تقدّموا أمام مخرجكم صدقة. فنقول: كم؟ فيقول: صاع من تمر أو مدّين من شعير. فنخرجه ثم يخرج إلى ظاهر حرّتنا و نحن معه فيستقي فو اللَّه ما يقوم من مجلسه حتى تمرّ السحاب. قد فعل ذلك غير مرة و لا مرتين و لا ثلاثة. فحضرته الوفاة فاجتمعنا إليه فقال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر و الخمير إلى أرض البؤس و الجوع؟ قالوا: أنت أعلم. قال: فإنه إنما أقدمني هذه البلدة أتوكّف خروج نبي قد أظلّ زمانه هذه البلاد مهاجره فأتبعه فلا تسبقنّ إليه إذا خرج يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء و سبي النساء و الذّراري ممن يخالفه، فلا يمنعكم ذلك منه. ثم مات. فلما كانت الليلة التي فتحت فيها قريظة قال أولئك الفتية- و كانوا شبابا أحداثا- يا معشر يهود و اللَّه إنه الذي ذكر لكم ابن الهيّبان. فقالوا: ما هو به. قالوا: بلى و اللَّه إنها لصفته. ثم نزلوا فأسلموا و خلّوا أموالهم و أولادهم و أهاليهم في حصن مع المشركين، فلما فتح ردّ ذلك عليهم.
تفسير الغريب
أسيد: وقع في الرواية بضم الهمزة و فتحها و صوّبه الدارقطني و عبد الغني.
سعية- بسين مفتوحة فعين ساكنة مهملتين فمثناة تحتية و يقال بالنون بدلها.
أتوكّف: أنتظر و أستشعر.
أظلّ زمانه: أشرف عليكم و قرب.
خبر الحبر من جرهم
روى ابن أبي خيثمة عن عكرمة أن نفرا من قريش مرّوا بجزيرة من جزائر البحر فإذا هم بشيخ من جرهم. فقال: ممن أنتم؟ قالوا: من أهل مكة من قريش: فقال الشيخ ذات يوم: لقد طلع الليلة نجم لقد بعث فيكم نبيّ. فنظروا فإذا النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) قد بعث تلك الليلة.
خبر الحبر من أهل بصرى
روى ابن سعد و البيهقي عن طلحة بن عبيد الله رضي اللَّه تعالى عنه قال: حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم هل فيهم أحد من أهل الحرم؟ فقلت: نعم أنا. قال: هل ظهر أحمد؟ قلت: و من أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه و هو آخر الأنبياء مخرجه من الحرم و مهاجره إلى نخل و حرّة و سباخ، فإياك أن تسبق إليه. قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال. فقدمت مكة فقلت:
هل كان من حدث؟ قالوا: نعم محمد بن عبد الله الأمين تنبّأ و قد تبعه ابن أبي قحافة. فخرجت سريعا حتى قدمت على أبي بكر فأخبرته بما قال الراهب، فخرج أبو بكر حتى دخل على