أشهد باللَّه ذي المعالي* * * و فالق الّليل و الصّباح
إنّك في السّرّ من قريش* * * يا ابن المفدّى من الذّباح
أرسلت تدّعو إلى يقين* * * يرشد للحقّ و الفلاح
أشهد باللَّه ربّ موسى* * * أنّك أرسلت بالبطاح
فكن شفيعي إلى مليك* * * يدعو البرايا إلى النّجاح
قال عبد الرحمن: فحفظت الأبيات و أسرعت في تقضّي حوائجي و انصرفت فقدمت مكة فلقيت أبا بكر فأخبرته الخبر فقال: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه رسول اللَّه إلى خلقه.
فأتيته في نفر في بيت خديجة فلما رآني ضحك و قال: أرى وجها خليقا أرجو خيرا ما وراءك؟ قلت: و ما ذاك يا محمد؟ قال: حملت إليّ وديعة أم أرسلك مرسل إلي برسالة هاتها.
فأخبرته و أسلمت فقال: أما إن أخي حمير من خواص المسلمين ثم
قال: «ربّ مؤمن بي و لم يرني و مصدّق بي و ما شاهدني أولئك إخواني حقا».
خبر عروة بن مسعود الثقفي عن بعض الكهان و الكواهن
ذكر أبو هاشم بن ظفر في «خبر البشر» أن عروة بن مسعود الثقفي رضي اللَّه تعالى عنه قال: خرجت في تجارة لنجران قبل أن يظهر أمر محمد فجلست تحت سرحة منتبذا من أصحابي فإذا جاريتان تسوقان بهما إلى السّرحة، فجلستا و أنا مضطجع فتناومت، فقالت إحداهما للأخرى: من هذا فيما تظنين يا ابنة الأكرمين؟ قالت الأخرى: هذا عروة بن مسعود سيد غير مسود، جود و عصر منجود. قالت: صدقت فمن أين هو و إلى أين؟ فقالت الأخرى:
أتى من المعقل المنيف، طائف ثقيف ينوي نجران ذات المخاليف فقالت: صدقت فما هو مصيب في سفره هذا؟ فقالت: يسهل طريقه و ينفق سوقه و يعلو فوقه. قالت: صدقت فما عاقبة أمره؟ قالت: يعيش زعيما و يتبع نبيا كريما و يتعاطى أمرا جسيما. فقالت: صدقت و ما هذا النبي؟
فقالت: داع مجاب، له أمر عجاب، يأتيه من السماء كتاب يبهر الألباب و يقهر الأرباب. قال عروة: ثم أمسكتا فغشيني النعاس، فلما استيقظت لم أر لهما أثرا فلما بلغت نجران قال أسقّفها- و كان لي صديقا-: يا أبا يعفور هذا حين خروج نبيّ من أهل حرمكم يهدي إلى الحق، و حق المسيح إنه لخير الأنبياء و آخرهم فإن ظهر فكن أول من يؤمن به.