جلدة شريفة مع ما أراد اللَّه بها من الكرامة و الخير، و هي يومئذ أوسط قريش نسبا و أعظمهم شرفا و أكثرهم مالا و كلّ قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك قد طلبوها و بذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت: يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟ فقال: ما بيدي ما أتزوج به. قلت: فإن كفيت ذلك و دعيت إلى المال و الجمال و الشرف و الكفاءة ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة. قال: و كيف لي بذلك؟
قالت: قلت: عليّ. قال: فأنا أفعل. فذهبت فأخبرتها فذكرت الحديث. قالت: فأرسلت إليه أن ائت ساعة كذا و كذا. فحضر و أرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها.
و عند ابن إسحاق أن رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) دخل مع عمه حمزة. و عند النيسابوري في الشّرف أن أبا طالب خرج مع عشرة من قومه حتى دخلوا على عمها فخطبها فزوّجه. فقال عمرو بن أسد: هذا الفحل لا يقدع أنفه.
قال ابن هشام: أصدقها عشرين بكرة. قال البلاذريّ و الدمياطي: اثنتي عشرة أوقية و نشّا. قال المحب الطبري: ذهبا.
و ذكر أبو الحسين بن فارس و غيره (رحمهم اللّه تعالى) أن أبا طالب خطب يومئذ فقال:
الحمد للَّه الذي جعلنا من ذرية إبراهيم و زرع إسماعيل و ضئضئ معدّ مضر، و جعلنا حضنة بيته و سوّاس حرمه و جعل لنا بيتا محجوجا و حرما آمنا و جعلنا حكّام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل به شرفا و نبلا و فضلا و عقلا و إن كان في المال قلا فإن المال ظل زائل و أمر حائل و عارية مسترجعة، و هو و اللَّه بعد هذا له نبأ عظيم و خطر جليل، و قد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة و قد بذل لها من الصداق حكمكم عاجله و آجله اثنتا عشرة أوقية و نشّا.
فقال عمرو بن أسد عمها: هو الفحل لا يقدع أنفه. و أنكحها منه. و يقال: إن ورقة هو الذي قاله.
قال ابن إسحاق في المبتدأ: و كان تزويجه لها بعد مجيئه من الشام بشهرين و خمسة و عشرين يوما عقب صفر سنة ست و عشرين.
قال الزهري: و قال راجز من أهل مكة في ذلك:
لا تزهدي خديج في محمّد* * * نجم يضيء كما أضاء الفرقد
تنبيهات
الأول: ما تقدم من أن عمها هو الذي زوّجها رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) ذكره أكثر علماء أهل السير. قال السّهيلي: و هو الصحيح، لما رواه الطبري عن جبير بن مطعم و ابن عباس و عائشة