تعالى ما كان عليه من عظيم التواضع لربه و التّصريح بمنّته عليه و على إخوانه من الأنبياء (صلّى اللّه عليه و سلم) و عليهم أجمعين.
الثاني: في فتاوى الشيخ (رحمه اللّه تعالى) نقلا عن الحنفية و المالكية و الحنابلة و مقتضى مذهب الشافعي: أنه يعزّر من قال: كان النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) راعي غنم. إذا عيّر برعيها.
الثالث: في بيان غريب ما سبق.
رعيته بكسر الراء المراد: الهيئة. و الغنم: منصوب مفعول المصدر و هو رعيته.
على قراريط: قال الحافظ: على بمعنى الباء، و هي للسببية. و قيل إنها للظرفية كما سيتبين. و في رواية ابن ماجة، عن سويد بن سعيد، و الإسماعيلي عن حسّان بن محمد كلاهما عن عمرو بن يحيى: كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط قال سويد بن سعيد: يعني كل شاة بقيراط. يعني القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم.
و قال الإمام أبو إسحاق الحربي: قراريط: اسم موضع بمكة و لم يرد القراريط من الفضة. و صوّبه ابن الجوزي تبعا لابن ناصر و خطّأ سويدا في تفسيره.
قال الحافظ: لكن رجح الأول بأن أهل مكة لا يعرفون بها مكانا يقال له قراريط. و زعم بعضهم أن في
قوله (صلّى اللّه عليه و سلم) في الرواية الأخرى: «و بعثت و أنا راعي غنم بأجياد»
ردّ لتأويل سويد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله، فتعين أنه أراد المكان فعبر تارة بأجياد و تارة بقراريط.
و ليس الردّ بجيّد إذ لا مانع من الجمع بأن يرعى لأهله بغير أجرة و لغيرهم بأجرة. و المراد بقوله:
«أهلي»
أهل مكة فيتحد الخبران و يكون في أحد الحديثين بيّن الأجرة و في الآخر بيّن المكان فلا تنافي في ذلك.
و قال بعضهم: لم تكن العرب تعرف القراريط الذي هو من النقد، و لذلك جاء في الصحيح: «ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط» و ليس الاستدلال لما ذكر من نفي المعرفة بواضح. انتهى كلام الحافظ.
قلت: تأويل سعيد هو الذي فهمه الإمام البخاري و هو الأجرة، و لذا ذكره في الإجارة.
جياد: موضع بأسفل مكة معروف من شعابها، ذكره بغير همز البكريّ في معجمه.
أجياد: بفتح أوله و إسكان ثانيه و بالمثناة التحتية و الدال المهملة: كأنه جمع جيّد، موضع من بطحاء مكة من منازل قريش، فإذن يقال له جياد و أجياد بالهمز و عدمه.