و لقد كنت آتي الزّهريّ، و كان من أهنأ الناس و أقربهم، فإذا ذكر عنده رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- فكأنّه ما عرفك و لا عرفته.
و لقد كنت آتى صفوان بن سليم، و كان من المتعبّدين المتهجدين، فإذا ذكر رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه و يتركونه.
و كان ابن سيرين ربّما يضحك، فإذا ذكر عنده [حديث] رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- خشع و تضرّع.
و قال عمر بن ميمون: إن ابن مسعود- رضي اللّه تعالى عنه- حدّث يوما، فجرى على لسانه، قال رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- فعلاه كرب حتى رأيت العرق ينحدر عن وجهه، و غرغرت عيناه، و انفتخت أوداجه، ثم قال: هكذا إن شاء اللّه، أو فوق ذا، أو دون ذا، أو قريبا من ذا.
و قال مصعب: كان مالك بن أنس لا يحدث حديث رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- إلا على وضوء، إجلالا له.
و الآثار في هذا كثيرة، و قد تقدم كثير من ذلك في باب ما يجب على الأنام من حقوقه- (عليه الصلاة و السلام)-.
فصل
و من برّ رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- و توقيره برّ آله و ذريته و أزواجه و أمّهات المؤمنين- رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين-.
روى ابن جرير عن يزيد بن حبان، عن زيد بن أرقم- رضي اللّه تعالى عنه- قال: قام رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- خطيبا بما يدعى حمى بين مكّة و المدينة، فحمد اللّه و أثنى عليه و وعظ و ذكّر، ثم قال: أما بعد أيها الناس إنّي أنتظر أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، و إني تارك فيكم الثقلين أحدهما: كتاب اللّه، فيه الهدى و الصدق، فاستمسكوا بكتاب اللّه.
ثم قال: و أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، ثلاث مرّات، فقيل لزيد: و من أهل بيته؟ أ ليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال زيد: إنّ نساءه من أهل بيته و لكن أهل بيته من حرم الصدقة [بعده، فقيل: و من هم؟ قال: هم آل العباس و آل جعفر و آل عقيل، قيل: أ كلّ هؤلاء يحرّم الصدقة عليهم] [1]؟ قال: نعم.
و رواه أيضا عنه بلفظ: «إنما أنا بشر، أوشك أن أدعى فأجيب، أ لا و إني تارك فيكم