الباب السادس و العشرون في بيان معنى قوله- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-: «حياتي خير لكم و موتي خير لكم»
روى مسلم عن أبي موسى- رضي اللّه تعالى عنه- عن رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- أنه قال: «إذا أراد اللّه بأمّة خيرا قبض نبيّها قبلها فجعله فرطا و سلفا بين يديها، و إذا أراد هلاك أمّة عذّبها، و نبيّها حيّ، فأهلكها و هو ينظر فيقرّ عينه بهلاكها حيث عذّبوه و عصوا أمره
و إنما كان قبض النبي- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- خيرا لأمته لأنهم إذا قبضوا قبله انقطعت أعمالهم و إذا أراد اللّه بهم خيرا جعل خيرهم مستمرا ببقائهم محافظين على ما أمروا به من العبادات و حسن المعاملات، نسلا بعد نسل، و عقبا بعد عقب».
و روى ابن سعد و إسماعيل القاضي- بسند رجاله ثقات- عن بكر بن عبد الله المازني مرسلا قال: قال رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- «حياتي خير لكم تحدثون و يحدث لكم، فإذا أنا متّ كانت وفاتي خير لكم، تعرض عليّ أعمالكم، فإن رأيت خيرا حمدت اللّه و إن رأيت شرا استغفرت لكم».
قال الشيخ:- (رحمه اللّه تعالى)- في «فتاويه»: ليس قوله (خيرا) أفعل تفضيل فإن (خيرا) لها
استعمالان:
أحدهما:
أن يراد بها معنى التفضيل لا الأفضلية، و ضدها الشر و هي كلمة باقية على أصلها لم يحذف منها شيء.
و الثاني:
أن يراد بها معنى الأفضلية، و هي التي توصل ب «من» و هذه أصلها أخير حذفت همزتها تخفيفا، و يقابلها شر التي أصلها أشر.
قال في «الصحاح»: الخير ضد الشر قال الشاعر:
فما كنانة في خير بخائرة* * * و لا كنانة في شرّ بأشرار
و تأنيث هذه خيّرة و جمعها: خيرات و هن الفاضلات من كل شيء، قال تعالى: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ [الرحمن 70] أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ [التوبة 88] و لم يريدوا بها معنى أفعل فلو أردت معنى التفضيل قلت: فلانة خير الناس و لم تقل: خيرة [و فلان خير الناس و لم تقل أخير] و لا تثنى و لا تجمع، لأنه في معنى أفعل انتهى كلام الصحاح.
و قال الراغب في «مفردات القرآن» الخير و الشر يقالان على