بات النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) ساهرا تلك الليلة، فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا رسول اللّه؟ قال: أنين العباس، فقام رجل فأرخى وثاقه شيئا قال: فافعل ذلك بالأسارى كلهم، كل ذلك رعاية للعدل و محافظة على الإحسان المأمور به في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ
[النحل/ 90].
السادس: في إسلام العباس.
قال أهل العلم بالتاريخ: كان إسلام العباس- رضي اللّه تعالى عنه- قديما، و كان يكتم إسلامه، و خرج مع المشركين يوم بدر مكرها،
فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «من لقي العباس فلا يقتله فإنه خرج مستكرها» فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو، ففادى نفسه و رجع إلى مكة، ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا رواه أبو سعد.
قيل: أسلم يوم بدر و استقبل النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) يوم الفتح بالأبراء و كان معه يوم فتح مكة و به ختمت الهجرة، قال أبو عمرو: أسلم قبل فتح خيبر، و كان يكتم إسلامه، و يسره ما فتح اللّه- عز و جل- على المسلمين، و أظهر إسلامه يوم فتح مكة، و شهد حنينا و الطائف و تبوك، و يقال:
كان إسلامه- رضي اللّه تعالى عنه- قبل بدر، و كان- رضي اللّه تعالى عنه- يكتب بأخبار المشركين إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) و كان المسلمون بمكة يقوون به، و كان يحب القدوم على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم)،
فكتب إليه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «إن مقامك بمكة خير لك».
روى أبو القاسم السهيلي عن شرحبيل بن سعد قال: لما بشر أبو رافع- رضي اللّه تعالى عنه- رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) العباس بن عبد المطلب أعتقه.
السابع: في تعظيم النبي- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- للعباس و لطفه به.
قال أبو عمرو: كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) يكرم العباس بعد إسلامه و يعظمه و يقول: «هذا عمي و صنو أبي».
و روى أبو القاسم البغوي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إن عائشة- رضي اللّه تعالى عنها- قالت: يا ابن أخي لقد رأيت من تعظيم النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) عمه العباس أمرا عجبا.
و روى أبو القاسم السهمي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، و عمر عن يساره و عثمان بين يديه، و كان كاتب النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) فإذا جاء العباس- رضي اللّه تعالى عنه- تنحى له أبو بكر- رضي اللّه تعالى عنه- من مكانه فجلس فيه.
و روي أيضا عن أنس- رضي اللّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) أشد الناس لطفا بالعباس.