تعالى عنه- بأنهم قاتلوه قام خطيبا فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه ثم قال: قد نزل ما ترون من الأمر، و إنّ الدنيا قد تغيّرت و تنكّرت، و أدبر خيرها، و معروفها، و اشتمرت حتى لم يبق فيها إلا صبابة كصبابة الأفاود الرعا للرسل ألا ترون الحق؟ ألا ترون الحقّ يعمل به، و الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه- عز و جل-، و إنّي لا أرى الموت إلا ساعة، و الحياة مع الظالمين إلا ندامة.
قالوا: و ذكر كلاما كثيرا غير ذلك و بات هو و أصحابه يصلّون و يستغفرون و يتضرّعون و خيول حرس عدوّهم تدور من ورائهم، فلا حول و لا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم، و إنا للّه و إنا إليه راجعون.
و قال عليّ زين العابدين بن الحسين- رضي للّه تعالى عنهما-: إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قتل أبي في صبيحتها، و عمّتي زينب من جنبي سمعت أبي يقول:
يا دهر أفّ لك من خليل* * * كم لك بالإشراق و الأصيل
من صاحب أو طالب قتيل* * * و الدّهر لا يقنع بالبديل
و إنّما الأمر إلى الجليل* * * و كلّ حيّ سالك السّبيل
قال: فأعادها مرتين أو ثلاثا، فعرفت ما أرادهما، فخنقتني العبرة، فقامت عمّتي، حاسرة، حتّى جاءت إليه، فقالت: و اللّه، ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت أمي فاطمة و عليّ أبي، و حسن أخي، يا خليفة الماضي، قال: فنظر إليها، و قال: يا أختاه لا يذهبنّ حلمك الشيطان، فقالت: بأبي أنت يا أبا عبد اللّه، و بكت و لطمت وجهها و شقّت جيبها و خرّت مغشيا عليها، فقام إليها فصبّ على وجهها الماء، و قال: يا أختاه، اتّقي اللّه و تعزّي بعز اللّه، و اعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، و أنّ أهل السّماء لا يبقون، و كلّ شيء هالك إلا وجهه، سبحانه و تعالى، يا أختاه، أبي خير منّي، و أمي خير منّي، و أخي خير مني، و لي و لهم و لكل مسلم أسوة برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) ثمّ حرّج عليها أن لا تفعل شيئا من هذا بعد قتله، ثم أخذ بيدها فردّها إلى عندي- رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين-.
و ذكر أبو بكر بن الأنباري- (رحمه اللّه تعالى)- أنّ زينب بنت عقيل بن أبي طالب لمّا قتل أخوها الحسين- رضي اللّه تعالى عنه- أخرجت رأسها من الخباء و أنشدت رافعة صوتها:
ما ذا تقولون إن قال النبي لكم* * * ما ذا فعلتم و أنتم آخر الأمم
بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي* * * منهم أسارى و قتلى ضرّجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم* * * أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي