و لامه الحسين على ذلك، و الصّواب مع الحسن قالوا: فإن مدّة الخلافة التي ذكرها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) انقضت بخلافته و لم يبق إلّا الملك، و قد صان اللّه تعالى أهل بيته ببركة نبيّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) قال الدولابي: أقام الحسن- رضي اللّه تعالى عنه- بالكوفة إلى ربيع الأول سنة إحدى و أربعين، و قد قتل عبد الرحمن بن ملجم و يقال أنه ضربه بالسيف فقتله ثم سار إلى معاوية، فالتقيا بمسكن من أرض الكوفة، و اصطلحا و سلم إليه الأمر و بايع له لخمس بقين من شهر ربيع الأول في سنة احدى و أربعين و قيل: إنّه صالحه و آخذ منه مائة ألف دينارا و كانت مدة خلافته ستة أشهر و خمسة أيام.
و روى الحافظ أبو نعيم و غيره عن الشّعبي- (رحمه اللّه تعالى)- قال: شهدتّ خطبة الحسن- رضي اللّه تعالى عنه- حين سلّم الأمر إلى معاوية، قال: فحمد اللّه، و أثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد، فإنّ أكيس الكيس التّقى و إن أحمق الحمق الفجور ألا و إن هذه الأمور التي اختلفت فيها أنا و معاوية، إنّما هو لأمري، فإن كان له أحقّ فهو بحقّه، و إن كان لي فقد تركته له إرادة إصلاح الأمّة و حقن دمائها: وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ
ثمّ نزل.
الحادي عشر: في ذكر جوده و زهده في الدنيا و جمل من مكارم أخلاقه (و تعظيم) [1] الصّحابة له- رضي اللّه تعالى عنهم
-
قال: إنّي أستحي من اللّه- عز و جلّ- أن ألقاه و لم أمش إلى بيته
فمشى عشرين حجّة إلى مكة من المدينة على رجليه، و في رواية: خمس عشرة ماشيا، و إن النجائب لتقاد معه و لقد قاسم اللّه تعالى ثلاث مرّات، حتّى إنه يعطى الخفّ و يمسك النّعل و خرج من ماله مرّتين قال محمد بن سيرين: ربما كان يجيز الواحد بمائة ألف، و اشترى حائطا من قوم من الأنصار بأربعمائة ألف، ثمّ إنّه بلغه أنهم احتاجوا إلى ما في أيدي النّاس، فردّه إليهم، و لم يقل لسائل قطّ: لا، و كان لا يأنس به أحد فيدعه يحتاج إلى غيره،
و رأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة، و يطعم كلبا هناك لقمة، فقال: ما يحملك على هذا؟
قال: إنّي أستحي أن آكل و لا أطعمه، فقال له الحسن: لا تبرح حتّى آتيك
فذهب إلى سيّده فاشتراه و اشترى الحائط الذي هو فيه و أعتقه و ملكّه الحائط، فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط الذي وهبتني و كان سيّدا حليما زاهدا عاقلا فاضلا فصيحا ذا سكينة، و وقار جوادا يكره الفتن و سفك الدّماء، دعاءه ورعه، و زهده و حمله إلى أن ترك الخلافة، و
قال: خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا أو أقل أو أكثر فنضح أوداجهم دما،
و كان من أحسن الناس وجها و أكرمهم و أجودهم و أطيبهم كلاما، و أكثرهم حياءا، و كان أكثر دهره (صائما) [1]، و كان فعله يسبق قوله في المكارم و الجود، و كان كثير الأفضال على إخوانه، لا يغفل عن أحد منهم، و لا