الحديثين تضادّ، و قد ذهب إلى مدلول كل واحد من الحديثين قائل، فقال بعضهم: كان مهرها- رضي اللّه تعالى عنها- الدرع و لم يكن إذ ذاك بيضاء و لا صفراء.
و قال بعضهم: كان أربعمائة و ثمانين فأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) أن يجعل ثلثها في الطيّب.
الثالث: تضمن حديث ابن عبّاس، و حديث علي، و حديث أنس- رضي اللّه تعالى عنهم- أن الذي حثّه على تزويج فاطمة- رضي اللّه تعالى عنها- متضاد، و لا تضادّ بينهما، بل يحتمل أن يكون مولاته، ثم أبو بكر و عمر أو بالعكس، ثم لمّا خرج لذلك لقيه الأنصار فحثّوه على ذلك من غير أن يكون أحدهم علم بالآخر.
الرابع: يحتمل أن تريد أسماء في حديثها بوليمة: ما قام هو بنفسه غير ما جاء به الأنصار من الكبش و الذرة جمعا بين الحديثين، و أن يكون رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) دفع لها مع ذلك الآصاح من التمر و الشعير و أن يكون ما جاء به الأنصار وليمة الرّجال و ما دفعه لها (صلّى اللّه عليه و سلّم) للنّساء كما دلّ عليه حديثها.
الخامس: كيفية صبّ الماء و تخصيص عليّ- رضي اللّه تعالى عنه- به مخالف لما رواه ابن حبّان عن أنس- رضي اللّه تعالى عنه- قال المحبّ الطّبري- (رحمه اللّه تعالى)-: و لعلّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) خصّ عليا- رضي اللّه تعالى عنه- بهذه الكيفية كما تضمّنه الحديث، فإنّه لم يذكر فيه فاطمة- رضي اللّه تعالى عنها- و نضح (صلّى اللّه عليه و سلّم) عليهما على تلك الكيفية كما في حديث ابن حبّان.
السادس: تضمّن حديث عائشة أنّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) أخبرها بشيئين، بموته، و أنّها أوّل أهله لحوقا به.
فبكت فأخبرها ثانيا بشيء واحد، و هو: أنها سيّدة نساء المؤمنين، و سيدة نساء أهل الجنّة فضحكت.
و تضمّن حديث أمّ سلمة- رضي اللّه تعالى عنها- عند الدولابي أنّه أسرّ إلى فاطمة- رضي اللّه تعالى عنها- أولا بموته فقط فبكت، و في الثانية بأنها سيّدة نساء المؤمنين، فضحكت.
و حديث فاطمة عند الدولابي أيضا، أنّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) أسرّ إليها بموته أوّلا فبكت و ثانيا بشيئين بلحوقها به، و أنّها سيدة نساء أهل الجنّة.
و تضمّن حديث عائشة عند أبي داود و التّرمذي و النسائي و ابن حبّان عن فاطمة- رضي اللّه تعالى عنها- أنه أسرّ إليها أوّلا بموته فبكت، و ثانيا بأنّها أوّل لاحق به فضحكت فيحمل ذلك على صدوره في مجالس مختلفة توفيقا بين الأحاديث، و أن بكاءها- رضي اللّه تعالى عنها- في حديث مسلم لم يكن بمجموع الخبرين، بل بموته (صلّى اللّه عليه و سلّم) فقط يدلّ عليه أنّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) لما أفرد خبر موته عن خبر لحوقها به كما في حديث عائشة- رضي اللّه تعالى عنها- في هذا