القول الثاني: إنّ التّخيير كان لسبب قصّة العسل الذي شربه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) في بيت زينب بنت جحش و مواطأة عائشة و حفصة أن يقولا لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) إنّا نجد منك ريح مغافير فحرّمه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) على نفسه، فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [التحريم/ 1] إلى قوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ [التحريم/ 4] هو مخرّج في الصحيحين عن عائشة- رضي اللّه تعالى عنها- و المغافير بالعين المعجمة و الفاء حلو المذاق.
فروع:
الفرع الأوّل: قال أئمّتنا: لمّا خيّر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) نساءه اخترنه غير العامرية، فروى ابن سعد عن ابن أبي عون عن عمران بن مناح قالا: لما خيّر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) نساءه، بدأ بعائشة فاخترنه جميعا غير العامرية اختارت قومها فكانت بعد تقول: إنّني الشّقيّة، و سيأتي بيان ذلك في باب ذكر أزواجه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فلما اخترنه حرّم اللّه التزوّج عليهنّ مكافأة لهنّ على حسن صنيعهنّ، و نزل قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الأحزاب/ 52] الآية. ثم نسخ حكم ذلك بقوله: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ [الأحزاب/ 50]، فتكون المنّة له (صلّى اللّه عليه و سلّم) بترك التّزوّج عليهنّ.
و قد قالت عائشة: ما مات رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) حتى أحلّ اللّه تعالى له أن يتزوّج من النّساء ما شاء إلّا ذات محرم لقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ [الأحزاب [51]. الآية.
رواه الإمامان الشّافعيّ و أحمد و ابن سعد، و صحّحه الترمذيّ و ابن حبّان و الحاكم و البيهقيّ و قال: كأنها معنى اللّاتي خطرن عليه في قوله: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب/ 52] الآية.
و روى ابن سعد مثله عن أمّ سلمة و ابن عبّاس و عطاء بن يسار و محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب (رضي اللّه عنه).
و إذا قلنا إنّه أحلّ له التّزوّج فهل هو عامّ من جميع النّساء، أو هو خاصّ ببنات الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات المهاجرات معه لظاهر الآية و جهان أظهرهما.
الأوّل: لأن الإباحة رفعت ما تقدّم من الحظر، فاستباح ما كان يستبيحه قبلها، و لأنّه في استباحة النّساء أوسع من أمّته، فلم يجز أن ينقص عنهم.
الفرع الثاني: لم يحرم على النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلّم) طلاق زوجاته بعد اختيارهنّ في الأظهر.
الفرع الثالث: لو قدّر أنّ واحدة من زوجاته (صلّى اللّه عليه و سلّم) اختارت الحياة الدّنيا، لم يحصل الاختيار بنفس الاختيار على الأصحّ.