جماع أبواب معجزاته (صلّى اللّه عليه و سلّم) في تجلي ملكوت السموات و الأرض و اطلاعه على أحوال البرزخ و الجنة و النار و أحوال يوم القيامة
الباب الأول في تجلي ملكوت السموات و الأرض له (صلّى اللّه عليه و سلّم)
روى الإمام أحمد و الطبراني عن رجل من الصحابة قال: خرج علينا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) ذات غداة و هو طيّب النّفس، مسفر الوجه فسألناه فقال: «و ما يمنعني، و أتاني الليلة ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد، قلت: لبّيك ربي و سعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟
قلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفيّ حتى وجدت بردها بين ثدييّ حتى تجلّى لي ما في السموات و الأرض ثم قرأ وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ[1]
[الأنعام 75].
تنبيهات
الأول: قوله (صلّى اللّه عليه و سلّم): «أتاني ربّي» مجاز أي أتاني أمر ربي، و قوله: «فوضع يده بين كتفيّ» قال البيضاوي: هو مجاز عن تخصّصه إياه و مزيد الفضل عليه، و إيصاله فضله إليه، لأن من عادة الملوك إذا أرادوا أن يدنوا إلى أنفسهم بعض خدمهم في بعض أحوال مملكتهم، يضعون يدهم على ظهره تلطّفا به و تعظيما لشأنه و تنشيطا له من فهم ما يقول، فحصل ذلك حيث لا يد و لا وضع حقيقة كناية عن التخصيص لهم بمزيد الفضل و التّأييد و تمكين الملهم في الرّوع.
الثاني: قوله: «فعلمت ما في السّموات» إلى آخره يدل على أن وصول ذلك الفيض صار سببا لعلمه، و أورد الآية على سبيل الاستشهاد و المعنى: أنه تعالى كما أرى إبراهيم (عليه الصلاة و السلام) ملكوت السموات و الأرض و كشف له ذلك، كذلك فتح عليّ أبواب الغيوب حتى علمت ما فيها من الذّوات و الصّفات و الظّواهر و المغيّبات.