و عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه تعالى عنهما قال: إنه رأى النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) الموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: «يا أيّها النّبي إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً و حرزا للأميين، أنت عبدي و رسولي سمّيتك المتوكل، ليس بفظّ و لا غليظ و لا سَخّاب في الأسواق، و لا يجزي بالسيئة السيئة، و لكن يعفو و يصفح، و لن يقبضه اللّه حتّى يقيم به الملّة العَوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا اللّه. و يفتح به أعينا عميا و قلوبا غلفا و آذانا صمّا» [1].
رواه الإمام أحمد و البخاري. و روى نحوه ابن عساكر و ابن الجوزيّ عن عبد اللّه بن سلام [2]، و الدارمي [3] عن كعب.
«شاهدا» حال مقدرة من الكاف أو من الفاعل، أي مقدّرا أو مقدّرين شهادتك على من بعثت إليهم، أي مقبولا قولك عند اللّه فيهم و عليهم، كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم.
«حرزا» بالمهملة المكسورة فالراء الساكنة فالزاي- أي حفظا «للأميين» أي للعرب لأن الكتابة عندهم قليلة. و الأمّي من لا يحسن الكتابة. و ليس لليهود أن يتمسكوا بقوله «حرزا للأميين» على ما زعموا أنه (صلّى اللّه عليه و سلم) مبعوث إلى العرب خاصة، لأن قوله: «حتّى يقيم الملّة العوجاء» يشملهم لأنهم بدّلوا و حرّفوا و غيروا، فأرسل (صلّى اللّه عليه و سلم) إليهم ليقيم عوجهم، و هل أحد أولى منهم بإقامة عوجهم؟!.
«ليس بفظ» أي سيئ الخلق «و لا غليظ» أي شديد القول «و لا سخّاب» بالسين
[1] أخرجه البخاري 4/ 402، كتاب البيوع باب كراهية السخب في الأسواق (2125).
[2] عبد اللّه بن سلام مخفف ابن الحارث الإسرائيلي اليوسفي أبو يوسف حليف القواقل الخزرجي. أسلم مقدم النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) و شهد فتح بيت المقدس مع عمر، و روى خمسة و عشرين حديثا، شهد له النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) بالجنة. و نزل فيه وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ و قوله تعالى: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ. و عنه ابنه يوسف و أبو هريرة و أنس.
اتفقوا على أنه مات سنة ثلاث و أربعين بالمدينة. رضي اللّه عنه. الخلاصة 2/ 64.
[3] عبد اللّه بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي، أبو محمد: من حفاظ الحديث. سمع بالحجاز و الشام و مصر و العراق و خراسان من خلق كثير. و استقضي على سمرقند، فقضى قضية واحدة، و استعفى فأعفي. و كان عاقلا فاضلا مفسرا فقيها أظهر علم الحديث و الآثار بسمرقند. له «المسند» في الحديث، الأعلام 95، و تذكرة الحفاظ 2/ 105.