الباب الرابع في كناه (صلّى اللّه عليه و سلم) و زاده شرفا و فضلا لديه
قال الإمام العلّامة أبو السعادات مجد الدين المبارك بن الأثير- (رحمه اللّه تعالى)- في كتابه «المرصّع»: أما الكنية فأصلها من الكناية، و هي أن يتكلم بالشيء و يريد غيره، تقول كنيت و كنوت بكذا و عن كذا كنية و كنية و الجمع الكنى، و اكتنى فلان بأبي فلان و فلان يكنى بأبي الحسن، و كنيته أبا زيد و بأبي زيد، يخفّف و يثقل و التخفيف أكثر. و فلان كنيّ فلان، كما تقول: سميّه: إذا اشتركا في الاسم و الكنية. و إنما جيء بالكنية لاحترام المكنيّ بها و إكرامه و تعظيمه كيلا يصرّح في الخطاب باسمه. و منه قوله:
أكنيه حين أناديه لأكرمه* * * و لا ألقّبه و السّوأة اللّقب
هذا مختص بالإنسان دون غير و هو الأصل.
و لقد بلغني أن أصل سبب الكنى في العرب أنه كان ملك من ملوكهم الأول ولد له ولد توسّم فيه أمارة النّجابة فشغف به فلما نشأ و ترعرع و صلح لأن يؤدّب أدب الملوك أحب أن يفرد له موضعا بعيدا من العمارة يكون فيه مقيما يتخلّق بأخلاق مؤدّبيه و لا يعاشر من يضيع عليه بعض زمانه، فبنى له في البرّيّة منزلا و نقله إليه و رتب له من يؤدبه بأنواع من الآداب العلمية و الملكية و أقام له ما يحتاج إليه من أمر دنياه، ثم أضاف إليه من هو من أقرانه و أضرابه من أولاد بني عمه و أمرائه ليؤنسوه و يتأدبوا بآدابه و يحبّبوا إليه الأدب بموافقتهم له عليه. و كان الملك في رأس كل سنة يمضي إلى ولده و يستصحب معه من أصحابه من له عند ولده ولد ليبصروا أولادهم، فكانوا إذا وصلوا إليهم سأل ابن الملك عن أولئك الذين جاءوا مع أبيه ليعرفهم فيقال له: هذا أبو فلان و هذا أبو فلان، يعنون آباء الصبيان الذين عنده فكان يعرفهم بإضافتهم إلى أبنائهم، فمن هنالك ظهرت الكنى في العرب.
ثم ذكر ابن الأثير- (رحمه اللّه تعالى)- فوائد تتعلق بالكنى ليس هذا الكتاب محلّا لها و قد ذكرتها مع زيادات أخرى في كتابي «سفينة السلامة».
إذا علمت ذلك: فللنبي (صلّى اللّه عليه و سلم) عدّة كنى و هي:
«أبو القاسم»
(صلّى اللّه عليه و سلم). و هو أشهرها.
روى الشيخان عن أنس بن مالك- رضي اللّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يمشي بالبقيع فسمع قائلا يقول: يا أبا القاسم فردّ رأسه إليه فقال الرجل: يا رسول اللّه إني لم أعنك إنما دعوت فلانا. فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «تسمّوا باسمي و لا تكنّوا بكنيتي فإني