الباب الثالث في إسلام السيدة حليمة و زوجها رضي اللّه تعالى عنهما
قال الحافظ عماد الدين بن كثير (رحمه اللّه تعالى): الظاهر أن حليمة لم تدرك البعثة.
قال الحافظ في شرح الدّرر: و هو غير مسلّم، فقد روى أبو يعلى و الطبراني و ابن حبّان، عن عبد اللّه بن جعفر رضي اللّه تعالى عنهما قال: حدثتني حليمة. و عبد اللّه إنما ولد بعد البعثة بمدة، بل لم يتهيأ له السّماع من حليمة إلا بعد الهجرة بسبع سنين أو أكثر، لأنه قدم من الحبشة مع أبيه و هو صغير ليلة الغزوة في خيبر سنة سبع، و حليمة إنما قدمت في هذه المدّة أو بعدها بسنة في الجعرانة.
و مستند ابن كثير كثير الاختلاف على ابن إسحاق في حديث حدّثه عبد اللّه، فمنهم من قال: عبد اللّه بن جعفر، عن حليمة. و منهم من قال: عن عبد اللّه بن جعفر حدثتني حليمة.
قلت: ليس هذا مستنده إنما مستنده قول من قال: عن عبد اللّه بن جعفر حدّثت عن حليمة. و اللّه تعالى أعلم.
قال الحافظ: فرأى ابن كثير أن هذه علّة تمنع من الجزم بإدراك عبد اللّه بن جعفر لها، و ليست هذه في التحقيق علة، فإن الشواهد التي تدل على إدراك عبد اللّه بن جعفر لها كثيرة و أسانيدها جيدة.
و روى ابن سعد بسند رجاله رجال الصحيح، عن محمد بن المنكدر- مرسلا- قال: استأذنت امرأة على النبي (صلّى اللّه عليه و سلم). قد كانت ترضعه فلما دخلت عليه قال: أمّي أمي! و عمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه
انتهى.
قلت: و يجاب عن رواية: «حدّثت عن حليمة» أنه سمع منها بعض القصة و بعضها عمن سمع منها أو أنه سمع ممن روى عنها. ثم سمع منها. و اللّه تعالى أعلم.
و قد ألف الحافظ مغلطاي (رحمه اللّه تعالى) جزءا في إيمانها و هذه خلاصته مع زيادة:
روى البخاري في الأدب و أبو داود و الطبراني و ابن حبّان في صحيحه عن أبي الطفيل رضي اللّه تعالى عنه قال: رأيت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يقسم لحما بالجعرانة- و أنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور- إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت: من هذه؟ قالوا هذه أمه (صلّى اللّه عليه و سلم) التي أرضعته.
و قول الذهبي: يجوز أن تكون هذه ثويبة مردود بما ثبت أنها توفيت سنة سبع من الهجرة.