الباب الثالث عشر في أقوال العلماء في عمل المولد الشريف و اجتماع الناس له و ما يحمد من ذلك و ما يذم
قال الحافظ أبو الخير السّخاوي- (رحمه اللّه تعالى)- في فتاويه: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السّلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، و إنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار و المدن الكبار يحتفلون في شهر مولده (صلّى اللّه عليه و سلم) بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة و يتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات و يظهرون السرور و يزيدون في المبرّات و يعتنون بقراءة مولده الكريم و يظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. انتهى.
و قال الإمام الحافظ أبو الخير بن الجزريّ- (رحمه اللّه تعالى)- شيخ القرّاء: من خواصه أنه أمان في ذلك العام و بشرى عاجلة بنيل البغية و المرام.
قلت: و أول من أحدث ذلك من الملوك صاحب إربل الملك المظفّر أبو سعيد كوكوبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد و الكبراء الأجواد.
قال الحافظ عماد الدين بن كثير- (رحمه اللّه تعالى)- في تاريخه: كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول و يحتفل به احتفالا هائلا، و كان شهما شجاعا بطلا عاقلا عادلا- (رحمه اللّه تعالى)- و أكرم مثواه. و قد صنّف الشيخ أبو الخطاب بن دحية- (رحمه اللّه تعالى)- كتابا له في المولد سمّاه: «التّنوير في مولد البشير النذير» فأجازه بألف دينار.
قال سبط بن الجوزي- (رحمه اللّه تعالى)- في مرآة الزمان: حكى من حضر سماط المظفر في بعض المولد أنه عدّ في ذلك السّماط خمسة آلاف رأس غنم شويّ و عشرة آلاف دجاجة و مائة ألف قرص و مائة ألف زبديّة أي من طعام، و ثلاثين ألف صحن حلوى، قال: و كان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء و الصوفية فيخلع عليهم و يطلق لهم. و كان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، و كانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة. فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار و كان يفتكّ من الفرنج في كل سنة بمائتي ألف دينار، و كان يصرف على الحرمين و المياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار، و هذا كله سوى صدقات السرّ.
و حكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين [1] أن قميصه
[1] يوسف بن أيوب بن شاذي، أبو المظفر، صلاح الدين الأيوبي، الملقب بالملك الناصر: من أشهر ملوك الإسلام. كان