يريد الأجداث. قال و حدثني أبو عبيدة أن العرب تقول فمّ في موضع ثمّ. قلت: و من ذلك قول بعض المفسرين و فومها أن المراد ثومها.
و قد اختلف العلماء في تعبده (عليه السلام) قبل البعثة هل كان على شرع أم لا؟ و ما ذلك الشرع؟ فقيل شرع نوح و قيل شرع إبراهيم. و هو الأشبه الأقوى. و قيل موسى، و قيل عيسى، و قيل كل ما ثبت أنه شرع عنده اتبعه و عمل به. و لبسط هذه الأقوال و مناسباتها مواضع أخر في أصول الفقه و اللّه أعلم.
الجبل الذي يقع في قمته هذا الغار يسمى جبل النور، و هو يقع إلى الشمال الشرقي من مكة، و يبعد عنها حوالي خمسة كيلو مترات و يذهب إليه الآن كثير من الناس للتبرك و الزيارة، و صعود هذا الجبل شاق للغاية، و قد يحتاج الصاعد إلى استعمال يديه و رجليه في بعض الأحايين ليتقي السقوط، و في قمة هذا الجبل بركة من ماء لا ينقطع ماؤها صيفا و لا شتاء، و هذا المكان جوّه جميل للغاية و نقي من الأتربة، و جميل الهواء، و الغار يشبه حجرة صغيرة مدخلها إلى الأمام و في خلفها الجبل الشاهق و أمر عجيب كيف كان يصعد الرسول (صلّى اللّه عليه و سلم) هذا الجبل و يختلي بهذا الغار.
في بعثته- (صلّى اللّه عليه و سلم)- و بدء الوحي
من المعلوم بالضرورة أن جميع الرسل الذين اصطفاهم اللّه من عباده لم ينطقوا فيما بلغوه عن ربهم عن الهوى.
و على هذا النحو كان التكليف بالصلوات الخمس إلى الرسول (صلّى اللّه عليه و سلم) ليلة المعراج، دع عنك ما يلوكه المستشرقون الماديون من أنهم لا يكذبون محمدا (صلّى اللّه عليه و سلم) فيما أخبر به عن الوحي و لكنهم يقولون: إن منبع ذلك من نفسه، و ليس فيه شيء جاء من عالم الغيب، لأن الغيب لم يثبت عندهم وجوده و أيسر ما يرد به افتراؤهم أمران:
أولهما: ما استفاض من أمر أمانة النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) قبل مبعثه.
ثانيهما: أن اللّه تعالى حرم على رسوله (صلّى اللّه عليه و سلم) أن يخوض فيما خاض قومه من قرض الشعر و التعمل له على ما يشهد به قوله سبحانه وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ (سورة يس 69).
و لقد كان وحيا ذلك الذي يصدر عنه النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) قولا و فعلا و تقريرا.
يذكر أهل السنة أن عمره عند البعثة كان أربعين سنة و ينقلون واقعة بدء الوحي.
قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي اللّه عنها، أنها قالت: أول ما بدئ به رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) من الوحي الرؤيا