responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : خاتم النبيين صلي الله عليه واله وسلم نویسنده : أبو زهرة، محمد    جلد : 1  صفحه : 229
الشجاع
163- يذكر بعض العلماء الشجاعة بأنها منبعثة من القوة الغضبية، ولكنها خاضعة لحكم العقل، وللحكمة، وللمعرفة، وهى السبيل إلى دفع الأذى، وإلى والنفع للجماعة، وليست مرادفة للتهور، وإن كان منبعثهما واحدا، وهى القوة الغضبية الدافعة عن النفس فى موقف التعرض للأذى، بيد أن التهور اندفاع غير محكوم بالعقل والحكمة، ولا خاضع للمعرفة، أما الشجاعة فإنها لا تصدر إلا عن تفكير سليم، ودواعى الحكمة المستقيمة.
وليست الشجاعة منافية للحذر، بل إنه مسيطر عليها، فهو يدفعها، وهو يحكمها، وقد يكون الخوف مع الشجاعة، لأن الشجاع يتردد قبل أن يقدم فيوازن بين العمل ونتائجه، والإقدام وغاياته، وهل يتعين الضرب بالسيف، وإن ذلك كله قد يصحبه، فليس الشجاع هو الذى لا يخاف قط، إنما الشجاع من يتغلب على بواعث، ويتقدم فى تدبير محكم، وصبر وقوة احتمال، ولا تتصور الشجاعة إلا مع التدبر والصبر والإحكام وتعرف الغايات والمقاصد.
والشجاعة قد تكون معنوية، وليس لها مظهر حسي، وقد تكون حسية بدافع معنوي، ورغبة فى رفع حق، وخفض باطل، والنبى عليه الصلاة والسلام قبل البعثة كان المثل الكامل للشجاعة المعنوية، التى لا تهاب المخالفة فى الحق، فقريش كلها كانت تسجد للصنم، ومحمد عليه الصلاة والسلام لم يسجد لصنم قط، وكان يجابه بذلك قريشا، ولا يبالي، وكانوا يحلفون باللات والعزى ومناة الثالثة إلى اخر الأسماء التى سموها، وما أنزل الله تعالى بها من سلطان، وكان هو يرد من يطلب منه الحلف بها، فيقول إنه يكرهها وما يكون ذلك إلا من شجاع قوى الإيمان بما يعتقد ويؤمن، فيختلف مع بائع فى الثمن، فيطلب منه الحلف باللات والعزي، فيرد محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ردا قويا، بأنه يكره هذه الأسماء، فيقبل الرجل قوله من غير يمين لروعة إيمانه وشجاعته فى هذا الإيمان.
وإنه فى رحلته إلى الشام وهو فى الخامسة والعشرين كان شجاعا فى نفسه وفكره وقلبه عندما منع رجال القافلة التى أعطته زمامها من أن يسابقوا رجال قافلة أخري، واجه من معه بذلك المنع غير هياب ولا وجل، ثم خالف طريق الاخري، وسار فى طريق أخرى ليمر بقبر أمه بالأبواء، ويستعبر عليه العبرات، إذ كان لأول مرة زاره، وكان فى وعى عند موتها، إذ كان فى السادسة من عمره، ومع ذلك وصل قبل القافلة، وكان قد اختار الطريق الذى ظنه من معه وعرا، وظنه هو مسلوكا، وكان مستقيما، لأنه وصل قبل القافلة المسرعة من غير مسابقة.
نام کتاب : خاتم النبيين صلي الله عليه واله وسلم نویسنده : أبو زهرة، محمد    جلد : 1  صفحه : 229
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست