نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين جلد : 4 صفحه : 212
و أما يحيى بن زكريا (عليهما السلام)
فإنه أوتي الحكم صبيا، و كان يبكي من غير ذنب، و يواصل الصيام، و قد أعطى اللَّه نبينا (صلى اللَّه عليه و سلم) أفضل من هذا، فإن يحيى لم يكن في قوم يعبدون الأوثان و الأصنام من دون اللَّه، و لا كان في عصر الجاهلية، بل كان في بني إسرائيل أهل الكتاب، و بيت النبوة، و محمد (صلى اللَّه عليه و سلم) كان في عصر الجاهلية، ما جاءهم قبله من نذير، يعبدون الأوثان و الأصنام و الطواغيت، فأوتي من بينهم الفهم و الحكم صبيا بين حزب الشيطان و عبدة الأوثان، فلم يرغب لهم في صنم قط، و لا شهد معهم عيدا، و لم يسمع منه كذب قط، و كانوا يعدونه صدوقا أمينا حليما رءوفا، و كان يواصل الأسبوع صوما و يقول: إني أظل عند ربي يطعمني و يسقيني، و كان يبكي حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، و قد أثنى اللَّه تعالى على يحيى فقال:
وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ[1]، و الحصور الّذي لا يأتي النساء، و ذلك أن يحيى كان نبيا و لم يكن مبعوثا إلى قومه، و كان منفردا [بمراعاة] [2]، و نبينا (صلى اللَّه عليه و سلم) كان رسولا إلى كافة الناس ليقودهم [و يقربهم] [3] إلى اللَّه تعالى، قولا و فعلا، [فأقام] [4] اللَّه تعالى به الأحوال المختلفة، و المقامات الغالبة المتفاوتة في تصرفاته، ليقتدي الخلق كلهم بأفعاله و أوصافه.
فاقتدى به الصديقون في حالاتهم، و الشهداء في مراتبهم، و الصالحون في اختلاف أحوالهم، ليأخذ العالي و الداني و المتوسط من أفعاله قسطا و حظا، إذ النكاح من أعظم حظوظ النفس و أبلغ الشهوات، فأمر به (صلى اللَّه عليه و سلم) و حث عليه لما جبل اللَّه تعالى عليه النفوس البشرية من توقان النفس و هيج الشهوة المطبوع عليها النفس.
و أباح ذلك ليتحصّنوا به من السفاح، فشاركوه (صلى اللَّه عليه و سلم) في ظاهره، و شملهم الاسم معه، و انفرد (صلى اللَّه عليه و سلم) عن مساواته معهم،