نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين جلد : 4 صفحه : 184
و محمد (صلى اللَّه عليه و سلم) دعا ربه لما قحطت الأرض فهطلت السماء بدعائه بما منهمر، أغاث اللَّه به العباد و البلاد، فكانت دعوته رحمة و غوثا للأنام، كما كان (صلى اللَّه عليه و سلم) رحمة للعالمين و سيأتي خبر استسقائه بطرقه.
و قد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم ليلا و نهارا، فلم يؤمن به إلا دون المائة، ما بين رجل و امرأة [1]، و هم الذين ركبوا معه السفينة، و نبينا محمد (صلى اللَّه عليه و سلم) كانت مدة دعائه الناس عشرين سنة، فآمن به أمم لا يحصون، و دانت له جبابرة [الأرض]، خافت ملوكها ككسرى ملك فارس، و قيصر ملك الروم، و النجاشيّ ملك الحبشة، و المقوقس ملك مصر، و إقبال اليمن و ملوك البحرين، و حضر موت، و هجر، و عمان، و غيرهم.
و دانت له بحمل الإتاوة و الجزية: أهل نجران، و هجر، و أيلة، و أكيدر، و دومة، لما أيده اللَّه تعالى به من الرعب الّذي ينزله بقلوب أعدائه، حتى فتح الفتوح الجليلة، و دخل الناس في دين اللَّه أفواجا، فأتوا طائعين راغبين، مصدقين له، مؤمنين بما جاء به، فأي كرامة أعظم، و أي منزلة أرفع من هذا؟
و قد خصّ نوحا (عليه السلام) بأن نحلة اسما من أسمائه تعالى فقال: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً[2]، و خصّ محمدا (صلى اللَّه عليه و سلم) باسمين من أسمائه الحسنى، جمعهما له، و لم يشركه فيهما [3] أحد، قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ[4].
هذا مع ما خصه به تعالى من مزيد التشريف و التكريم، حيث خاطبه بصفة من صفات الرفعة و الشرف، تقوم مقام الكنية، إذا يقول تعالى مخاطبا له (صلى اللَّه عليه و سلم) في كتابه العزيز: يا أَيُّهَا النَّبِيُ[5]، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ[6]، يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ[7]،
[1] قال تعالى: وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود: 40].