نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين جلد : 4 صفحه : 148
الحجة الثامنة
لا خلاف عند كل عاقل أن محمّدا (صلى اللَّه عليه و سلم) كان من أعلى الناس همة، و أوفرهم حكمة، و لو لا ذلك ما انتظم له أمر هذا الناموس [هكذا] [1] بعد مدة طويلة، مع أنه عند الخصم دعي لا حجة معه، و لا خلاف أن من كان بهذه المثابة من علو الهمة و وفور الحكمة، و همته تعلو إلى تقدير منصب دائم و رئاسة باقية، فإنه يحتاط بنتاج فكره حتى لا يتوجه عليه ما يفسد حاله و يبخس مآله.
و من المعلوم عند كل حكيم فطن لبيب أن الكذب ينكشف و يستحيل رونقه، و يعود تدبيره تدميرا، خصوصا و المسيح إله النصارى- بزعمهم- يقول: ما من مكتوم إلا سيعلن، و لا خفي إلا سيظهر. فلو لم يكن محمدا (صلى اللَّه عليه و سلم) على يقين من صدق نفسه لما أقدم على دعواه خشية أن ينكشف أمره في تضاعيف الأزمان، فيعود عليه سوء الذكر مدى الدهر.
و كلامنا في عالي الهمة وافر الحكمة يخشى معرة المآل كما يخشى معرة الحال، و لا يرد علينا من يؤسس رئاسة في حياته بما أمكنه من كذبه و ترهاته، ثم لا يبالي ما كان بعد مماته، فإنه ذلك في غاية الخساسة، و يحصل مقصوده برئاسة الملك دون دعوى هذه الرئاسة.