فبوركت يا قبر الرسول و بوركت* * * بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
و بورك لحد منك ضمن طيبا* * * عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب أيد و أعين* * * عليه و قد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما و علما و رحمة* * * عشية علوة الثرى لا يوسد
و راحوا بحزن ليس فيهم نبيهم* * * و قد وهنت منهم ظهور و أعضد
يبكون من تبكى السموات يومه* * * و من قد بكته الأرض فالناس أكمد
و هل عدلت يوما رزية هالك* * * رزية يوم مات فيه محمد؟!
تقطع فيه منزل الوحي عنهم* * * و قد كان ذا نور يغور و ينجد
يدل على الرحمن من يقتدى به* * * و ينقذ من هول الخزايا و يرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا* * * معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم* * * و إن يحسنوا فاللَّه بالخير أجود
و إن ناب أمر لم يقوموا بحمله* * * فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة اللَّه بينهم* * * دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى* * * حريص على أن يستقيموا و يهتدوا
عطوف عليهم لا يثني جناحه* * * إلى كنف يحنو عليهم و يمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا* * * إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى اللَّه راجعا* * * يبكيه حتى المرسلات و يحمد
و أمست بلاد الحرم وحشا بقاعها* * * لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها* * * فقيد يبكينه بلاط و غرقد
و مسجده فالموحشات لفقده* * * خلاء له فيه مقام و مقعد
و بالجمرة الكبرى له ثم أوحشت* * * ديار و عرصات و ربع و مولد
فبكي رسول اللَّه يا عين عبرة* * * و لا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
و مالك لا تبكين ذا النعمة التي* * * على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع و أعولي* * * لفقد الّذي لا مثله الدهر بوجد
و ما فقد الماضون مثل محمد* * * و لا مثله حتى القيامة يفقد
أعف و أوفي ذمة بعد ذمة* * * و أقرب منه نائلا لا ينكد
و أبذل منه للطريف و تالد* * * إذا ضن معطاء بما كان يتلد
و أكرم صيتا في البيوت إذا انتمى* * * و أكرم جدا أبطحيا يسود
و أمنع ذروات و أثبت في العلا* * * دعائم عز شاهقات تشيد
و أثبت فرعا في الفروع و منبتا* * * و عودا غذاه المزن فالعود أغيد