نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين جلد : 11 صفحه : 209
بمعونته أكن مثلكم في ضلالكم و عبادتكم، على معنى الإشفاق و الحذر، و إلا فهو معصوم في الأزل من الضلال.
و قال أبو محمد بن حزم: و أما قوله: إذ رأى الشمس و القمر، فقال:
هذا ربى، فقد قال قوم: إن هذا كان محققا أول خروجه من الغار، و هذه خرافة موضوعة ظاهرة الافتعال و من المحال الممتنع أن يبلغ أحد حدّ التمييز و الكلام بمثل هذا، و لم ير قط ضوء شمس بنهار، و لا ضوء قمر بالليل، و قد أكذب اللَّه- تعالى- هذا الظن بقوله الصادق: وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ[1]، فمحال أن يكون من آتاه رشده من قبل يدخل في عقله أن الكواكب و القمر أو الشمس ربه، من أجل أنها أكبر قرصا من القمر، هذا ما لا يظنه إلا مقلد سخيف.
و الصحيح من ذلك أنه- (عليه السلام)- إنما قال ذلك موبخا لقومه، كما قال ذلك لهم في الكبير من الأصنام، و لا فرق، لأنهم كانوا على دين الصالحين يعبدون الكواكب، و يصورون الأوثان على صورها، و أسمائها في هياكلهم، و يعدون لها الأعياد، و يذبحون لها الذبائح، و يقربون لها القرابين و الدخن، و يقولون: إنها تعقل، و تدبر، و تضر، و تنفع، و يقيمون لكل كوكب منها شريعة محدودة، و قد وبخهم الخليل- (عليه السلام)- على ذلك و سخر منهم، و جعل يريهم تعظيم الشمس لكبر جرمها، كما قال- تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ[2]، فأراهم ضعف عقولهم في تعظيمهم هذه الأجرام المسخرة الجمادية، و بين لهم أنها مدبرة تنتقل في الأماكن، و معاذ اللَّه أن يكون الخليل أشرك قط برب أو شك في أن الفلك بما فيه مخلق، و برهان قولنا هذا أن اللَّه تعالى لم يعاتبه على شيء مما ذكرنا و لا عنفه على ذلك، فصح أن هذا بخلاف ما وقع لآدم- (عليه السلام)، و أنه وافق مراد اللَّه- تعالى- فيما قال من ذلك، و بما فعل، يعني إبراهيم- (عليه السلام).