و ركب بأمر اللَّه تعالى و سار على ناقته و الناس معه عن يمينه و شماله قد حشدوا و لبسوا السلاح، و ذلك ارتفاع النهار من يوم الجمعة،
فجعل كلما مر بقوم من الأنصار قالوا: هلم يا رسول اللَّه إلى القوة و المنفعة و الثروة، فيقول لهم خيرا، و يقول: دعوها فإنّها مأمورة، و في رواية: إنها مأمورة خلوا سبيلها
فلما أتى مسجد بني سالم جمّع بمن كان معه من المسلمين، و هم إذ ذاك مائة، و قيل: كانوا أربعين، و خطبهم، و هي أول جمعة أقامها (صلى اللَّه عليه و سلم) في الإسلام.
أول خطبة للرسول بالمدينة
وكانت أول خطبة خطبها أنه قام فيهم فحمد اللَّه، و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس، فقدموا لأنفسكم، تعلمن و اللَّه ليصعقنّ [2] أحدكم ثم ليدعنّ غنمه ليس لها راع، ثم ليقولنّ له ربه- ليس له ترجمان و لا حاجب يحجبه دونه: أ لم يأتك رسولي فبلغك؟ و آتيتك مالا و أفضلت عليك؟ فما قدمت لنفسك؟ فلينظرنّ [3] يمينا و شمالا فلا يرى شيئا، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار و لو بشقة من تمرة فليفعل، و من لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
و السلام على رسول اللَّه و رحمة اللَّه و بركاته.
منزله على أبي أيوب الأنصاري
ثم ركب ناقته فلم تزل سائرة به، و قد أرخى زمامها، حتى جاءت دار بني
[1] في (عيون الأثر) ج 1 ص 208: «قال ابن إسحاق: و كان حبرا عالما غنيا كثير الأموال، و كان يعرف صفة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) بصفته و ما يجد من علمه».
و في المرجع السابق: «و قال الواقدي: كان مخيريق أحد بني النضير، حبرا عالما فآمن برسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) و جعل ماله له و هو سبعة حوائط» أي بساتين.