و كانت عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد تحت يزيد بن زيد بن حصن الخطميّ، و كانت تؤذي رسول اللَّه و تعيب الإسلام و تحرض على النبي (صلى اللَّه عليه و سلم) و قالت شعرا [2]، فنذر عمير بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة [و اسمه عبد اللَّه بن جشم بن مالك بن الأوس] الخطميّ لئن ردّ رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) من بدر إلى المدينة ليقتلنها. فلما رجع (صلى اللَّه عليه و سلم) من بدر جاءها عمير ليلا حتى دخل عليها في بيتها [و حولها نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه في صدرها، فجسها بيده- و كان ضرير البصر- و نحّى الصبي عنها] [3] و وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، و
أتى فصلى الصبح مع النبي (صلى اللَّه عليه و سلم). فلما انصرف نظر إليه و قال: أ قتلت ابنة مروان؟ قال: نعم يا رسول اللَّه [قال: نصرت اللَّه و رسوله يا عمير، فقال:
هل عليّ شيء من شأنها يا رسول اللَّه؟ فقال] [4] لا ينتطح فيها عنزان. فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم). و قال لأصحابه: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر اللَّه و رسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي، فقال عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه: انظروا إلى هذا الأعمى الّذي تشرّى [5] في طاعة اللَّه فقال [رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم)]: لا تقل الأعمى و لكنه البصير.
فلما رجع عمير وجد بينها في جماعة يدفنونها فقالوا: يا عمير، أنت قتلتها؟ قال: نعم، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، فو الّذي نفسي بيده لو قلتم جميعا ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم. فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة، فمدح حسان عمير
[1] ذكر ابن قتيبة في (المعارف) ص 155: «و عدة من قتل من المشركين يوم بدر خمسون رجلا و أسر أربعة و أربعين رجلا».
[2] ذكر (الواقدي) هذا الشعر في (المغازي) ج 1 ص 172:
فباست بني مالك و النّبيت* * * و عوف و باست بني الخزرج
أطعتم أتاويّ من غيركم* * * فلا من مراد و لا مذحج
ترجونه بعد قتل الرّءوس* * * كما يرتجى مرق المنضج
و الأتاوي: الغريب- و مراء و مذحج: قبيلتان من قبائل اليمن.