نام کتاب : المواهب اللدنية بالمنح المحمدية نویسنده : أحمد بن محمد القسطلاني جلد : 3 صفحه : 599
و لا شك أن حياة الأنبياء- عليهم الصلاة و السلام- ثابتة معلومة مستمرة، و نبينا- صلى اللّه عليه و سلم- أفضلهم، و إذا كان كذلك فينبغى أن تكون حياته- صلى اللّه عليه و سلم- أكمل و أتم من حياة سائرهم.
فإن قال سقيم الطبع ردئ الفهم، لو كانت حياته- صلى اللّه عليه و سلم- مستمرة ثابتة لما كان لرد روحه معنى كما قال: «إلا رد اللّه على روحى». يجاب على ذلك من وجوه:
أحدها: أن هذا إعلام بثبوت وصف الحياة دائما لثبوت رد السلام دائما، فوصف الحياة لازم لرد السلام اللازم، و اللازم يجب وجوده عند ملزومه أو ملزوم ملزومه، فوصف الحياة ثابت دائما لأن ملزوم ملزومه ثابت دائما، و هذا من نفاثات سحر البيان فى إثبات المقصود بأكمل أنواع البلاغة، و أجمل فنون البراعة التي هى قطرة من بحار بلاغته العظمى.
و منها: أن ذلك عبارة عن إقبال خاص، و التفات روحانى يحصل من الحضرة النبوية إلى عالم الدنيا، و قوالب الأجساد الترابية، و تنزل إلى دائرة البشرية، حتى يحصل عند ذلك رد السلام، و هذا الإقبال يكون عامّا شاملا، حتى لو كان المسلمون فى كل لمحة أكثر من ألف ألف ألف لوسعهم ذلك الإقبال النبوى و الالتفات الروحانى، و لقد رأيت من ذلك ما لا أستطيع أن أعبر عنه، و لقد أحسن من سئل: كيف يرد النبيّ- صلى اللّه عليه و سلم- على من يسلم عليه من مشارق الأرض و مغاربها فى آن واحد فأنشد قول أبى الطيب:
كالشمس فى وسط السماء و نورها * * * يغشى البلاد مشارقا و مغاربا
و لا ريب أن حاله- صلى اللّه عليه و سلم- فى البرزخ أفضل و أكمل من حال الملائكة، هذا سيدنا عزرائيل7 يقبض مائة ألف روح فى وقت واحد و لا يشغله قبض عن قبض، و هو مع ذلك مشغول بعبادة اللّه تعالى، مقبل على التسبيح و التقديس، فنبينا- صلى اللّه عليه و سلم- حى يصلى و يعبد ربه و يشاهده، لا يزال فى حضرة اقترابه، متلذذا بسماع خطابه، و قد تقدم الجواب عن قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ[1] فى أواخر الخصائص من المقصد الرابع.