عبد اللّه بن رواحة، و قال لهم: يا قوم و اللّه إن الذي تكرهون للذي خرجتم له، خرجتم تطلبون الشهادة و نحن ما نقاتل الناس بعدد و لا قوة و لا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا اللّه تعالى به، فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور و إما شهادة، أي فقال الناس: صدق و اللّه ابن رواحة، فمضوا للقتال. فلقيتهم جموع هرقل ملك الروم من الروم و العرب، فانحاز المسلمون إلى مؤتة. فالتقى الجمعان عندها و اقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة رضي اللّه تعالى عنه و معه راية رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم):
أي لواؤه حتى قتل رضي اللّه تعالى عنه فأخذ الراية جعفر رضي اللّه تعالى عنه و قاتل على فرس أشقر ثم نزل عنه و عقره، أي و هو أول رجل من المسلمين عقر فرسه، و أول فرس عقر في سبيل اللّه، عقره خوفا أن يأخذه الكفار فيقاتلوا عليه المسلمين، و من ثم لم ينكر عليه أحد من الصحابة، و به استدل من جوّز قتل الحيوان خشية أن ينتفع به الكفار و تقاتل عليه المسلمين، ثم قاتل رضي اللّه تعالى عنه فقطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره، فاحتضن الراية فأخذ الراية و قاتل حتى قتل رضي اللّه تعالى عنه، فأخذها عبد اللّه بن رواحة رضي اللّه تعالى عنه و تقدم بها و هو على فرسه و جعل يتردد في النزول عن فرسه، ثم نزل و قاتل حتى قتل، أي و حينئذ اختلط المسلمون و المشركون. و أراد بعض المسلمين الانهزام فجعل عقبة بن عامر رضي اللّه تعالى عنه يقول: يا قوم يقتل الإنسان مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا فأخذ الراية ثابت بن أرقم رضي اللّه تعالى عنه و قال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، فقالوا: أنت. فقال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد رضي اللّه تعالى عنه. أي و يقال إن ثابت بن أرقم دفعها إلى خالد رضي اللّه تعالى عنه و قال: أنت أعلم بالقتال مني. أي فقال له خالد: أنت أحق به مني، و نك ممن شهد بدرا. ثم أخذها خالد رضي اللّه تعالى و مانع القوم و ثبت، ثم انحاز كل من الفريقين عن الآخر من غير هزيمة على أحدهما.
قال: و في رواية قاتلوا المشركين حتى هزموهم. فعند ابن سعد أن خالدا رضي اللّه تعالى عنه لما أخذ اللواء حمل على القوم فهزمهم اللّه أسوأ هزيمة حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاءوا و أظهر اللّه المسلمين.
قيل و سبب ذلك أن خالدا رضي اللّه تعالى عنه لما أصبح جعل مقدمة الجيش ساقة و ساقته مقدمة، و ميمنته ميسرة، و ميسرته ميمنة، فظن المشركون مجيء عدد للمسلمين فرعبوا و انهزموا فقتلوا قتلة لم يقتلها قوم. و يجوز أن يكون ذلك بعد انحياز المسلمين، فلا منافاة بين الروايتين، و كانت مدة القتال سبعة أيام.
و روى البخاري عن خالد رضي اللّه تعالى عنه قال: اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، و ما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية انتهى: و أطلع اللّه تعالى