و بين القوم صالحا و أعطيناهم على ذلك و أعطونا عهد اللّه أن لا نغدر بهم.
و بهذا استدل أئمتنا على أنه يجوز شرط ردّ من جاءنا منهم مسلما إليهم و لا نرده إليهم إلا إذا كان حرا ذكرا غير صبيّ و مجنون و طلبته عشيرته.
و في لفظ آخر أن النبي (صلى اللّه عليه و سلم) قال لسهيل: إنا لم نفضّ الكتاب بعد، فقال: بلى لقد لجت القضية بيني و بينك، أي تمّ العقد فرده. فقال النبي (صلى اللّه عليه و سلم) فأجره لي؛ فقال:
ما أنا مجير ذلك لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، فقال مكرز و حويطب:
قد أجرناه لك لا نعذبه.
أي و هذا و ما تقدم يخالف قول ابن حجر الهيتمي (رحمه اللّه) أن مجيء أبي جندل كان قبل عقد الهدنة معهم رواه البخاري. و عند ذلك قال حويطب لمكرز: ما رأيت قوما قط أشدّ حبا لمن دخل معهم من أصحاب محمد، أما إني أقول لك: لا تأخذ من محمد نصفا أبدا بعد هذا اليوم حتى يدخلها عنوة، فقال مكرز: و أنا أرى ذلك.
و عند ذلك وثب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه و مشى إلى جنب أبي جندل، أي و أبوه سهيل بجنبه يدفعه، و صار عمر رضي اللّه عنه يقول لأبي جندل: اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون، و إنما دم أحدهم كدم كلب، أي و معك السيف، يعرض له بقتل أبيه، أي و في رواية إن دم الكافر عند اللّه كدم الكلب و يدني قائم السيف منه، أي و في لفظ: و جعل يقول: يا أبا جندل إن الرجل يقتل أباه في اللّه، و اللّه لو أدركنا آباءنا لقتلناهم في اللّه، فقال له أبو جندل: ما لك لا تقتله أنت، فقال عمر: نهانا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) عن قتله و قتل غيره، فقال أبو جندل رضي اللّه عنه ما أنت أحق بطاعة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) مني، فقال عمر رضي اللّه عنه: وددت أن يأخذ السيف فيضرب أباه فضنّ الرجل بأبيه.
و فيه كيف يظن عمر حينئذ جواز قتله لأبيه حتى يعرض له به، إلا أن يقال ظن ذلك لكونه يريد أن يفتنه عن دينه و يرجع إلى الكفر و إن كان (صلى اللّه عليه و سلم) قال له: يا أبا جندل اصبر و احتسب.
و رجع أبو جندل إلى مكة في جوار مكرز بن حفص أي و حويطب، فأدخلاه مكانا و كف عنه أبوه.
و أبو جندل اسمه العاص، و هو أخو عبد اللّه بن سهيل بن عمرو، و إسلام عبد اللّه سابق على إسلام أبي جندل، لأن عبد اللّه شهد بدرا، أي فإنه خرج مع المشركين لبدر، ثم انحاز من المشركين إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم)، و شهد معه بدرا و المشاهد كلها و أبو جندل رضي اللّه عنه أول مشاهده الفتح.