فأنزل اللّه تعالى فيهم أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ [النّساء: الآية 51] الآيات، فلما قالوا ذلك لقريش سرهم و نشطهم لما دعوهم إليه من حرب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم).
و عند ذلك خرج من بطون قريش خمسون رجلا و تحالفوا، و قد ألصقوا أكبادهم بالكعبة متعلقين بأستارها، أن لا يخذل بعضهم بعضا، و يكونون كلهم يدا واحدة على محمد (صلى اللّه عليه و سلم) ما بقي منهم رجل، و قد أشار إلى ذلك صاحب الهمزية (رحمه اللّه) بأبيات ذم فيها اليهود لعنهم اللّه بأمور بقوله:
لا تكذب أن اليهود و قد زا* * * غوا عن الحق معشر لؤماء
جحدوا المصطفى و آمن بالطا* * * غوت قوم هم عندهم شرفاء
قتلوا الأنبياء و اتخذوا العج* * * ل ألا إنهم هم السفهاء
و سفيه من ساءه المن و السل* * * وى و أرضاه الفوم و القثاء
ملئت بالخبيث منهم بطون* * * فهي نار طباقها الأمعاء
لو أريدوا في حال سبت بخير* * * كان سبتا لديهم الأربعاء
هو يوم مبارك قيل للتصر* * * يف فيه من اليهود اعتداء
فبظلم منهم و كفر عدتهم* * * طيبات في تركهن ابتلاء
أي لا تكذب أن اليهود و الحال أنهم قد مالوا عن الحق قوم لؤماء، و اللئيم:
الدني الأصل، الشحيح النفس. و من عظيم لؤمهم أنهم جحدوا نبوته (صلى اللّه عليه و سلم) و رسالته و الحال أنه قد آمن بالطاغوت، و هو كل ما عبد من دون اللّه؟ مأخوذ من الطغيان قوم هم عندهم شرفاء و هم كفار قريش.
ورد أن اليهود قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا، و من جملة من قتلوا زكريا و يحيى، و اتخذوا العجل إلها يعبدونه، و من يفعل ذلك لا سفيه غيره، و من أرضاه الفوم و القثاء بدل المنّ و هو نوع من الحلواء، و السلوى: نوع من الطير، سفيه بلا شك، ملئت بالحرام كالربا بطون منهم، فبطونهم نار لاشتمالها على ما يؤدي إلى تلك النار، طباق تلك النار المصارين، و لو أراد اللّه لليهود في حال سبتهم الذي اختاروا تعظيمه على ما تقدم خيرا لكان يوم الأربعاء يوم سبتهم لأنه يوم خلق فيه النور؛ فاختيار يوم السبت دون يوم الأربعاء لسبتهم: أي سكوتهم عما عدا العبادة دليل على أنه تعالى لم يرد بهم الخير، و يوم السبت ابتداء اللّه فيه خلق العالم، خلافا لهم حيث قالوا إن ذلك أي ابتداء الخلق كان يوم الأحد، و فرغ من الخلق يوم الجمعة و استراح يوم السبت. قالوا: فنحن نستريح فيه كما استراح الرب تعالى فيه