منكم لأن اللّه قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين، و أسكنها في قلوب المؤمنين فاشتراه (صلى اللّه عليه و سلم) منهم بمائة درهم، و قال أيها البعير انطلق حيث شئت فرغا البعير على هامة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) فقال له: آمين، ثم رغا الثانية، فقال له آمين. ثم رغا الثالثة، فقال له آمين، ثم رغا الرابعة، فبكى النبي (صلى اللّه عليه و سلم) فقلنا يا رسول اللّه ما يقول هذا البعير؟
فقال: قال جزاك اللّه خيرا أيها النبي عن الإسلام و القرآن قلت: آمين، قال: سكن اللّه رعب أمتك كما سكنت قلبي، قلت: آمين، قال: حقن اللّه دماء أمتك كما حقنت دمي، قلت آمين، قال: لا جعل اللّه بأسهم بينهم شديدا، فبكيت لأني سألت ربي فيها: أي في هذه الرابعة فمنعني إعطاءها. و قوله (صلى اللّه عليه و سلم) للجمل اذهب كيف شئت، لا يناسب ما عليه أئمتنا من عدم جواز إرسال الدواب تقرّبا إلى اللّه تعالى لأنه في معنى سوائب الجاهلية، إلا أن يقال: المراد بقوله (صلى اللّه عليه و سلم) له اذهب كيف شئت، أي أنت آمن في سائر أحوالك مما شكوت منه.
و رأيت في كلام ابن الجوزي (رحمه اللّه) ما يؤيد ذلك، و هو أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) و سمه سمة نعم الصدقة ثم بعث به. و عليه لا إشكال، و إلى قصة الجمل أشار الإمام السبكي (رحمه اللّه) في تائيته بقوله:
و رب بعير قد شكا لك حاله* * * فأذهبت عنه كل كل و ثقلة
و في هذه: أعني السنة الرابعة تزوّج (صلى اللّه عليه و سلم) أم سلمة هند رضي اللّه تعالى عنها بعد موت أبي سلمة بن عبد الأسد رضي اللّه عنه. و ما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه قال: تزوّجها سنة اثنتين ليس بشيء، قيل و فيها شرع التيمم.
غزوة بدر الآخرة
و يقال لها بدر الموعد: أي لموعد أبي سفيان رضي اللّه عنه، حيث قال حين منصرفه من أحد: موعد ما بيننا و بينكم بدر: أي موسمها، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: قل نعم إن شاء اللّه تعالى كما تقدم.
لما قدم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) من غزوة ذات الرقاع أقام بقية جمادى الأولى إلى آخر رجب، ثم خرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) في شعبان و عليه اقتصر الأصل و قيل خرج في شوّال، و قيل في مستهل ذي القعدة كل ذلك في سنة أربع. من الوهم قول موسى بن عقبة (رحمه اللّه): إنها كانت في شعبان سنة ثلاث لما علمت أنها بعد أحد، و أحد كانت في شوّال سنة ثلاث، و الحافظ الدمياطي قدّم هذه الغزوة على غزوة ذات الرقاع، و تبعه الشمس الشامي و صاحب الإمتاع.
و كان وصوله (صلى اللّه عليه و سلم) إلى بدر هلال ذي القعدة، و هذا لا يناسب إلا القول بأن