خمسة أوثق من تمر على قتل عمرو بن جحاش الذي أراد أن يلقي الحجر على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم)، فقتله غيلة أي بعد أن قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) ليامين: أ لم تر ما لقيت من ابن عمك و ما همّ به من شأني؟ فسر بذلك النبي (صلى اللّه عليه و سلم)، و نزل في أمر بني النضير سورة الحشر، و لذلك كان يسميها ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما سورة بني النضير كما في البخاري.
و في كلام السبكي (رحمه اللّه): لم يختلفوا أن سورة الحشر نزلت في بني النضير. و قد أشار لقصتهم صاحب الهمزية بقوله:
خدعوا بالمنافقين و هل ين* * * فق إلا على السفيه الشقاء
و نهيتم و ما انتهت عنه قوم* * * فأبيد الأمار و النهاء
أسلموهم لأوّل الحشر لا مي* * * عادهم صادق و لا الإيلاء
سكن الرعب و الخراب قلوبا* * * و بيوتا منهم نعاها الجلاء
أي و خدعهم قول المنافقين إنهم يكونون معهم و ينصرونهم على النبي (صلى اللّه عليه و سلم)، و ما يروج الشقاء إلا على السفيه.
و المراد بالمنافقين عبد اللّه بن أبي ابن سلول و من كان معه على النفاق، لأنه كما تقدم لا زال يرسل لهم أن اثبتوا و تمنعوا، فإنكم إن قوتلتم قاتلنا معكم، و إن خرجتم خرجنا معكم. و نهاهم عن موافقته سلام بن مشكم، فلم ينتهوا أسلمهم أولئك المنافقون لأول الحشر. و هو أي الحشر جلاؤهم و خروجهم من ديارهم، فميعادهم لهم بأن ينصروهم على النبي (صلى اللّه عليه و سلم)، غير صادق و كذا حلفهم لهم على ذلك غير صادق أيضا.
ذكر موسى بن عقبة أنهم كانوا من سبط لم يصبهم جلاء قبلها، فلذلك قال لأول الحشر. و الحشر: الجلاء.
و قيل المراد بالحشر أرض المحشر، فإنهم قالوا إلى أين نخرج يا محمد؟ قال:
إلى الحشر، يعني أرض المحشر. و الحشر الثاني: هو حشر النار التي تخرج من قعر عدن، فتحشر الناس إلى الموقف.
و قيل الحشر الثاني لهم كان على يد سيدنا عمر رضي اللّه تعالى عنه، أجلاهم من خيبر إلى تيمياء و أريحاء، و سيأتي ذكره. و سكن الرعب: و هو خشية انتقامه (صلى اللّه عليه و سلم) منهم قلوبهم، و سكن الخراب بيوتهم. و قد أخبر تلك البيوت بموت أهلها خروجهم و جلاؤهم من أرضهم، و أنزل اللّه تعالى أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [الحشر: الآية 11] و هم بنو النضير لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ [الحشر: الآية 11] أي في خذلانكم أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ [الحشر: الآية