ذلك سببا لوقعة بغاث، فلما قدم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) المدينة أسلم الحارث بن سويد، و أسلم المجذر بن زياد و شهدا بدرا، فجعل الحارث يطلب مجذرا يقتله بأبيه فلم يقدر عليه كما تقدم، فلما كان يوم أحد رجال المسلمون تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه، قيل و قتل أيضا قيس بن زيد. فنهض رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه و هو شدة الحر في يوم حار، فخرج إليه الأنصار من أهل قباء رضي اللّه عنهم و منهم الحارث بن سويد و عليه ثوب مورّس. و في لفظ في ملحفة مورسة. و في لفظ في ثوبين مضرّجين. و في لفظ ممرّضين، فأمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) عويمر بن ساعدة بضرب عنقه، أي فقال له: قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد و اضرب عنقه، و قيل أمر عثمان بن عفان بذلك، فقدم ليضرب عنقه، فقال الحارث:
لم يا رسول اللّه؟ فقال: بقتلك المجذر بن زياد و قيس بن زيد، فما راجعه الحارث بكلمة، فضرب عنقه. قال: و في رواية أن الحارث قال: و اللّه قتلته: أي المجذر، و ما كان قتلي إياه رجوعا عن الإسلام و لا ارتيابا فيه، و لكن حمية من الشيطان، و إني أتوب إلى اللّه و رسوله مما عملت، و أخرج ديته، و أصوم شهرين متتابعين، و أعتق رقبة، فلم يقبل منه النبي (صلى اللّه عليه و سلم) ذلك انتهى. و لم يذكر قتل قيس بن زيد، و لعله اكتفى بذلك في قتله الحارث، و يعلم استحقاقه القتل بقتل قيس بن زيد بطريق أولى.
أي و كان في هذه السنة الثالثة مولد الحسن بن علي رضي اللّه عنهما، و سماه حربا، فسماه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) الحسن، أي لأنه (صلى اللّه عليه و سلم) لما جاء قال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قال عليّ حربا يا رسول اللّه، فقال (صلى اللّه عليه و سلم): هو حسن، و حنكه (صلى اللّه عليه و سلم) بتمر.
و كان في هذه السنة تحريم الخمر. و قيل كان تحريمها في السنة الرابعة و هو محاصر لبني النضير. و قيل كان تحريمها بين الحديبية و خيبر. و قيل كان بخيبر قال (صلى اللّه عليه و سلم) «الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة و العنبة» و في رواية «الكرمة و النخلة» و في رواية «الكرم و النخل» كذا في مسلم. و لعل ذكر الكرم كان قبل النهي عنه، و إلا ففي مسلم «لا يقولن أحدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم و في رواية «فإن الكرم قلب المؤمن» أو قيل ذلك بيانا للجواز إشارة إلى أن النهي للتنزيه.
و قد حرمت الخمر ثلاث مرات:
الأولى في قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ [البقرة: الآية 219] أي القمار قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة: الآية 219] فإنه (صلى اللّه عليه و سلم) قدم المدينة و هم يشربون الخمر، و يأكلون القمار، فسألوه عن ذلك فنزلت الآية. الثانية أن بعض الصحابة صلى بأصحابه صلاة المغرب و هو سكران فخلط في القراءة، فأنزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ [النّساء: الآية 43] ثم أنزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ