فطمحت عيناه إلى السماء: أي و ندوي: عورتك، فقال إزاري إزاري: أي شدوا عليّ إزاري، فشدّ عليه. و في رواية: سقط فغشي عليه، فضمه العباس إلى نفسه، و سأله عن شأنه، فأخبره أنه نودي من السماء أن شد عليك إزارك، و هذا يبعد ما جاء في رواية قال له العباس أي بعد أن أمر بستر عورته و سترها: يا ابن أخي اجعل إزارك على رأسك، فقال: ما أصابني ما أصابني إلا من التعرّي.
و في رواية: بينا النبي (صلى اللّه عليه و سلم) يحمل الحجارة من أجياد و عليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضعها على عاتقه فبدت عورته، فنودي يا محمد خمر عورتك: أي غطها، فلم ير عريانا أي مكشوف العورة بعد ذلك.
أي و قد يقال: هذا لا يخالف ما تقدم عن العباس رضي اللّه تعالى عنه، لأنه يجوز أن يكون ذلك صدر من العباس حينئذ، و غايته أنه سمى النمرة إزارا له.
قال: و استبعد بعض الحفاظ ذلك: أي وقوع هذا مع ما تقدم من نهيه عن ذلك: أي الذي تضمنه الأمر بالستر عند إصلاح عمه أبي طالب لزمزم قبل هذا، قال لأنه (صلى اللّه عليه و سلم) إذا نهي عن شيء مرة لا يعود إليه ثانيا بوجه من الوجوه ا ه: أي و قد عاد إلى ذلك.
أقول: يجوز أن يكون (صلى اللّه عليه و سلم) لم يفهم أن أمره بستر عورته أولا عزيمة، بل جواز الترك، و في الثانية علم أنه عزيمة.
لا يقال: تقدم «من كرامتي على ربي أن أحدا لم ير عورتي» و تقدم أن ذلك من خصائصه (صلى اللّه عليه و سلم).
ففي الخصائص الصغرى «أنه (صلى اللّه عليه و سلم) لم تر عورته قط، و لو رآها أحد طمست عيناه» لأنه لا يلزم من كشف عورته (صلى اللّه عليه و سلم) رؤيتها كما لم يلزم من حضانته و تربيته و مجامعة زوجاته ذلك. فعن عائشة رضي اللّه تعالى عنها «ما رأيت منه، (صلى اللّه عليه و سلم)» و الظاهر أن بقية زوجاته كذلك، و اللّه أعلم.
ثم عمدوا إليها ليهدموها على شفق و حذر: أي خوف من أن يمنعهم اللّه تعالى ما أرادوا: أي بأن يوقع بهم البلاء قبل ذلك، سيما و قد شاهدوا ما وقع لعمرو بن عائذ.
أي قال: و عند ابن إسحاق أن الناس هابوا هدمها و فرقوا منه أي خافوا من أنه يحصل لهم بسببه بلاء، فقال الوليد بن المغيرة لهم، أ تريدون بهدمها الإصلاح أم الإساءة؟ قالوا: بل نريد الإصلاح، قال: فإن اللّه لا يهلك المصلحين، قالوا من الذي يعلوها فيهدمها، قال أنا أعلوها و أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول ثم قام عليها و هو يقول: اللهم لم ترع أي بالراء و العين المهملتين، و الضمير في ترع للكعبة: أي لا تفزع الكعبة لا نريد إلا الخير: أي و في رواية لم نزغ بالنون و الزاي