تلك الصور بأسمائهم، ثم لما تقادم الزمان و ماتت الآباء و الأبناء و أبناء الأبناء قال لمن حدث بعدهم إن الذين كانوا قبلكم يعبدون هذه الصور فعبدوها، فأرسل اللّه لهم نوحا، فنهاهم عن عبادتها فلم يجيبوه لذلك، و كان بين آدم و نوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق. فأول ما حدثت عبادة الأصنام في قوم نوح، فأرسله اللّه تعالى إليهم فنهاهم عن ذلك.
و يقال إن عمرو بن لحي هو الذي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديد، و كانت الأزد يحجون إليه و يعظمونه، و كذلك الأوس و الخزرج و غسان.
و ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني في تفسيره لبعض الآيات القرآنية عند قوله تعالى وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [الرعد: الآية: 15] أن أصل وضع الأصنام إنما هو من قوة التنزيه من العلماء الأقدمين، فإنهم نزهوا اللّه تعالى عن كل شيء و أمروا بذلك عامتهم، فلما رأوا أن بعض عامتهم صرح بالتعطيل وضعوا لهم الأصنام و كسوها الديباج و الحلي و الجواهر، و عظموها بالسجود و غيره ليتذكروا بها الحق الذي غاب عن عقولهم، و غاب عن أولئك العلماء أن ذلك لا يجوز إلا بإذن من اللّه تعالى، هذا كلامه.
و كان في زمان جرهم رجل فاجر يقال له إساف فجر بامرأة يقال لها نائلة في جوف الكعبة أي قبلها فيها كما في تاريخ الأزرقي.
و قيل زنى بها فمسخا حجرين، فأخرجا منها و نصبا على الصفا و المروة ليكونا عبرة، فلما كان زمن عمرو بن لحي أخذهما و نصبهما حول الكعبة أي على زمزم و جعلا في وجهها و صار من يطوف يتمسح بهما يبدأ بإساف و يختم بنائلة، و ذلك قبل أن يقدم عمرو بهبل و بتلك الأصنام، و كانت قريش تذبح ذبائحها عندهما.
و ذكر أنه (صلى اللّه عليه و سلم) لما كسر نائلة عند فتح مكة خرجت منها امرأة سوداء شمطاء تخمش وجهها و هي تنادي بالويل و الثبور، و كان عمرو يخبر قومه بأن الرب يشتي بالطائف عند اللات و يصيف عند العزى، فكانوا يعظمونهما و كانوا يهدون إلى العزى كما يهدون إلى الكعبة.
و قصي هو الذي أمر قريشا أن يبنوا بيوتهم داخل الحرم حول البيت و قال لهم إن فعلتم ذلك هابتكم العرب و لم تستحل قتالكم، فبنوا حول البيت من جهاته الأربع و جعلوا أبواب بيوتهم جهته لكل بطن منهم باب ينسب الآن إليه، كباب بني شيبة، و باب بني سهم، و باب بني مخزوم، و باب بني جمع، و تركوا قدر الطواف بالبيت، فبنى قصي دار الندوة و هي أول دار بنيت بمكة، و استمر الأمر على أنه ليس حول الكعبة إلا قدر المطاف، و ليس حوله جدار زمنه (صلى اللّه عليه و سلم) و زمن ولاية الصديق رضي اللّه