و قيل لأنهم أي هؤلاء الذين تحالفوا كانوا أخرجوا فضول أموالهم للأضياف، و قيل لأن قريشا قالوا عن هؤلاء الذين تحالفوا لقد دخل هؤلاء في فضول من الأمر.
و السبب في هذا الحلف و الحامل عليه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، و كان من أهل الشرف و القدر بمكة، فحبس عنه حقه، فاستدعى عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار و مخزوما و جمح و سهما و عدي بن كعب، فأبوا أن يعينوا على العاص، و انتهروه أي الزبيدي، فلما رأى الزبيدي الشرّ رقي على أبي قبيس عند طلوع الشمس و قريش في أنديتهم حول الكعبة، فقال بأعلى صوته:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته* * * ببطن مكة نائي الدار و القفر
و محرم أشعث لم يقض عمرته* * * يا للرجال و بين الحجر و الحجر
إن الحرام لمن تمت مكارمه* * * و لا حرام لثوب الفاجر الغدر
و الحرام بمعنى الاحترام، فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب مع عبد اللّه بن جدعان كما تقدم، و اجتمع إليه من تقدم.
و قيل قام فيه العباس و أبو سفيان، و تعاقدوا و تعاهدوا ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه شريفا أو وضيعا، ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه ا ه.
أقول: ذكر السهيلي أن رجلا من خثعم قدم مكة معتمرا أو حاجا و معه بنت له من أضوإ نساء العالمين، فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج، فقيل له: عليك بحلف الفضول، فوقف عند الكعبة و نادى: يا لحلف الفضول، فإذا هم يعنقون إليه من كل جانب، و قد انتضوا أسيافهم: أي جردوها، يقولون: جاءك الغوث فما لك؟ فقال:
إن نبيها ظلمني في بنتي، فانتزعها مني قسرا فساروا إليه حتى وقفوا على باب داره، فخرج إليهم، فقالوا له: أخرج الجارية ويحك، فقد علمت من نحن و ما تعاهدنا عليه، فقال: أفعل، و لكن متعوني بها الليلة. فقالوا: لا و اللّه و لا شخب لقحة: أي مقدار زمن ذلك، فأخرجها إليهم.
و في سيرة الحافظ الدمياطي: أنه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنهما، و بين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان منازعة في مال متعلق بالحسين.
فقال الحسين للوليد: احلف باللّه لتنصفني من حقي، أو لآخذن سيفي: ثم لأقومن في مسجد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم)، ثم لأدعون لحلف الفضول: أي لحلف كحلف الفضول و هو نصرة المظلوم على ظالمه، و وافقه على ذلك جماعة منهم عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهما لأنه كان إذ ذاك في المدينة، فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي، و اللّه أعلم.