أبدا، بل المراد أنه شاهد مباشرة المشركين استلام أصنامهم: أي لشهوده بعض مشاهدهم التي تكون عند الأصنام.
و قال غيره: و المراد بالمشاهد التي شهدها: أي التي كان يشهدها مشاهد الحلف و نحوها كالضيافات الآتي بيانها لا مشاهدة استلام الأصنام، فإنه يرده ما تقدم عن أم أيمن انتهى: أي من قولها إن بوانة كان صنما لقريش تعظمه و تعتكف عليه يوما إلى الليل في كل سنة إلى آخره: أي و يرده أيضا ما تقدم من قوله (صلى اللّه عليه و سلم) لبحيرا لما حلفه باللات و العزى: لا تسألني بهما؟ فإني و اللّه ما أبغضت شيئا قط بغضهما، لأن مثل اللات و العزى غيرهما من الأصنام في ذلك، و ما سيأتي من قوله (صلى اللّه عليه و سلم) لخديجة رضي اللّه تعالى عنها: «و اللّه ما أبغضت بغض هذه الأصنام شيئا قط» و ما جاء أنه (صلى اللّه عليه و سلم) قال: «لما نشأت بغضت إليّ الأوثان، و بغض إليّ الشعر» و اللّه سبحانه و تعالى أعلم.
باب: رعيته (صلى اللّه عليه و سلم) الغنم
قال: رعيته بكسر الراء، المراد الهيئة انتهى.
أقول: المبين في هذا الباب إنما هو فعله (صلى اللّه عليه و سلم) الذي هو رعيه للغنم، لا بيان هيئة رعيه للغنم، فرعيته بفتح الراء لا بكسرها، و اللّه أعلم.
عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم): «ما بعث اللّه نبيا إلا رعى الغنم، قال له أصحابه: و أنت يا رسول اللّه؟ قال: و أنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط» أي و هي أجزاء من الدراهم و الدنانير يشترى بها الحوائج الحقيرة. قال سويد بن سعيد: بعني كل شاة بقيراط، و قيل القراريط موضع بمكة.
فقد قال إبراهيم الحربي: قراريط موضع، و لم يرد بذلك القراريط من الفضة أي و الذهب، قال: و أيد هذا الثاني بأن العرب لم تكن تعرف القراريط التي هي قطع الذهب و الفضة بدليل أنه جاء في الصحيح «ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط» و لأنه جاء في بعض الروايات «لأهلي» و لا يرعى لأهله بأجرة: أي كما قضت بذلك العادة. و أيضا جاء في بعض الروايات بدل بالقراريط «بأجياد» فدل ذلك على أن القراريط اسم محل، عبر عنه تارة بالقراريط و تارة بأجياد.
و ردّ بأن أهل مكة لا يعرفون بها محلا يقال له القراريط، و حينئذ يكون أراد بأهله أهل مكة لا أقاربه التي تقضي العادة بأنه لا يرعى لهم بالأجرة، و الإضافة تأتي لأدنى ملابسة، و يدل لذلك ما جاء في رواية البخاري «كنت أرعاها» أي الغنم «على قراريط لأهل مكة» و ذكره البخاري كذلك في باب الإجارة، و ذلك يبعد أن المراد بالقراريط المحل، و جعل على بمعنى الباء.