ثم دعاهم ثانية و قال: «الحمد للّه أحمده، و أستعينه، و أومن به، و أتوكل عليه، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له. ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله و اللّه الذي لا إله إلا هو، إني رسول اللّه إليكم خاصة، و إلى الناس عامة، و اللّه لتموتن كما تنامون، و لتبعثن كما تستيقظون، و لتحاسبن بما تعملون، و إنها الجنة أبدا أو النار أبدا». فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، و أقبلنا لنصيحتك، و أشد تصديقنا لحديثك، و هؤلاء بنو أبيك مجتمعون، و إنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به.
فو اللّه لا أزال أحوطك و أمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
فقال أبو لهب: هذه و اللّه السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: و اللّه لنمنعه ما بقينا [1].
على جبل الصفا
و بعد ما تأكد النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) من تعهد أبي طالب بحمايته، و هو يبلّغ عن ربه، قام يوما على الصفا فصرخ: «يا صباحاه» فاجتمع إليه بطون قريش، فدعاهم إلى التوحيد و الإيمان برسالته و باليوم الآخر. و قد روى البخاري طرفا من هذه القصة عن ابن عباس. قال: لما نزلت وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) على الصفا، فجعل ينادي: «يا بني فهر!. يا بني عدي! لبطون قريش»، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب و قريش. فقال: «أ رأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أ كنتم مصدقي؟» قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم. أ لهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ[2].
و روى مسلم طرفا آخر من هذه القصة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه. قال: لما نزلت هذه الآية: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فعم و خص. فقال: «يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب! أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار، فإني و اللّه لا أملك لكم من اللّه شيئا، إلا أن لكم رحما سأبلها ببلالها [3]».