و رسوله، و عرضوا على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أن يصلي فيه، و إنما مرامهم بذلك أن يخدعوا المؤمنين، فلا يفطنوا ما يؤتي به في هذا المسجد من الدس و المؤامرة ضدهم، و لا يلتفتوا إلى من يرده و يصدر عنه، فيصير و كرة مأمونة لهؤلاء المنافقين و لرفقائهم في الخارج، و لكن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أخر الصلاة فيه- إلى قفوله من الغزوة- لشغله بالجهاز، ففشلوا في مرامهم و فضحهم اللّه، حتى قام الرسول (صلّى اللّه عليه و سلم) بهدم المسجد بعد القفول من الغزو، بدل أن يصلي فيه.
الأخبار الخاصة عن استعداد الرومان و غسان
كانت هذه هي الأحوال و الأخبار التي يواجهها و يتلقاها المسلمون، إذ بلغهم من الأنباط الذي يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشا عرموما قوامه أربعون ألف مقاتل، و أعطى قيادته لعظيم من عظماء الروم، و أنه أجلب معهم قبائل لخم و جزام و غيرهما من متنصرة العرب، و أن مقدمتهم بلغت إلى البلقاء. و هكذا تمثل أمام المسلمين خطر كبير.
زيادة خطورة الموقف
و الذي كان يزيد خطورة الموقف أن الزمان كان فصل القيظ الشديد، و كان الناس في عسرة و جدب من البلاء و قلة من الظهر، و كانت الثمار قد طابت، فكانوا يحبون المقام في ثمارهم و ظلالهم، و يكرهون الشخوص على الحال، من الزمان الذي هم فيه، و مع هذا كله كانت المسافة بعيدة، و الطريق و عرة صعبة.
الرسول (صلّى اللّه عليه و سلم) يقرر القيام بإقدام حاسم
و لكن الرسول (صلّى اللّه عليه و سلم) كان ينظر إلى الظروف و التطورات بنظر أدق و أحكم من هذا كله.
إنه كان يرى أنه لو توانى و تكاسل عن غزو الرومان في هذه الظروف الحاسمة، و ترك الرومان لتجوس خلال المناطق التي كانت تحت سيطرة الإسلام و نفوذه، و تزحف إلى المدينة؛ كان له أسوأ أثر على الدعوة الإسلامية، و على سمعة المسلمين العسكرية، فالجاهلية التي تلفظ نفسها الأخير بعد ما لقيت من الضربة القاسمة في حنين ستحيا مرة أخرى، و المنافقون الذي يتربصون الدوائر بالمسلمين، و يتصلون بملك الرومان بواسطة أبي عامر الفاسق سيبعجون بطون المسلمين بخناجرهم من الخلف، في حين تهجم الرومان بحملة ضارية ضد المسلمين من الأمام، و هكذا يخفق كثير من الجهود التي بذلها