القرآن لا ينكر نفع الخمر و الميسر و إنما يقول: وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة:
219].
2- و من تلك الأخلاق الوفاء بالعهد
، فقد كان العهد عندهم دينا يتمسكون به، و يستهينون في سبيله قتل أولادهم، و تخريب ديارهم، و تكفي في معرفة ذلك قصة هانئ بن مسعود الشيباني، و السموأل بن عاديا، و حاجب بن زرارة التميمي.
3- و منها عزة النفس
و إباء عن قبول الخسف و الضيم، و كان من نتائج هذا فرط الشجاعة، و شدة الغيرة، و سرعة الانفعال، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل و الهوان إلا قاموا إلى السيف و السنان، و أثاروا الحروب العوان، و كانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل.
4- و منها المضي في العزائم
، فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد، و الافتخار لا يصرفهم عنه صارف، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله.
5- و منها الحلم، و الأناة، و التؤدة
، كانوا يتمدحون بها إلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود، لفرط شجاعتهم، و سرعة إقدامهم على القتال.
6- و منها السذاجة البدوية
، و عدم التلوث بلوثات الحضارة، و مكائدها، و كان من نتائجه الصدق و الأمانة، و النفور عن الخداع و الغدر.
نرى أن هذه الأخلاق الثمينة- مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة إلى العالم- كانت سببا في اختيارهم لحمل عبء الرسالة العامة، و قيادة الأمة الإنسانية و المجتمع البشري؛ لأن هذه الأخلاق و إن كان بعضها يفضي إلى الشر، و يجلب الحوادث المؤلمة، إلا أنها كانت في نفسها أخلاقا ثمينة، تدر المنافع العامة للمجتمع البشري بعد شيء من الإصلاح، و هذا الذي فعله الإسلام.
و لعل أغلى ما عندهم من هذه الأخلاق و أعظمها نفعا بعد الوفاء بالعهد هو عزة النفس و المضي في العزائم، إذ لا يمكن قمع الشر و الفساد، و إقامة نظام العدل و الخير؛ إلا بهذه القوة القاهرة، و بهذا العزم الصميم.
و لهم أخلاق فاضلة أخرى دون هذه التي ذكرناها و ليس قصدنا استقصاءها.